ataba_head

المنسيّون من الشهداء….شهداء الكُرد الفيليين

المنسيّون من الشهداء ….شهداء الكرد الفيليين

الباحث : عبد الهادي معتوق الحاتم

 

على الرغم من مرور أكثر من أربعة عقود على مأساتهم لا زالت قبورهم مجهولة ، أنهم شهداء الكُرد الفيلية الذين قضوا على يد الطاغوت البعثي الشمولي … فعملية اعتقالهم وتصفيتهم تعدّ أول جريمة إبادة جماعية يرتكبها النظام البعثي المقبور بحقّ أبناء شعبه .

 ففي مطلع نيسان من عام 1980 وبعد ساعات قليلة من قيام الشهيد (الكُردي الفيلي) سمير نور غلام بعملية المستنصرية التي حاول فيها قتل المجرم طارق عزيز ، قام الطاغية المقبور بإطلاق كلابه السائبة من رجال الأمن والمخابرات والفرق الحزبية ضد العوائل الفيلية المنتشرة في بغداد وبقية المحافظات العراقية ، وبدأت عمليات تهجير وحشية ضد مئات الآلاف بعد مصادرة أوراقهم الثبوتية ، وأموالهم المنقولة وغير المنقولة واحتجاز الشباب منهم الذين تتراوح أعمارهم من ( 16 – 40) عاما ، ومن ثم رميهم خارج الحدود .

الكرد الفيليون ، شريحة عراقية أصيلة .. ومعاناتهم مثّلت مساحة واسعة من الاستهداف شكلت هجمة شرسة عليهم ولوجودهم التأريخي ، إذ تعرضوا لشتّى صنوف الاضطهاد على يد النظام المباد ، ولم يكن الإقصاء والتهجير الذي تعرضوا له في مطلع الثمانينات هو الأول ، إذ أشارت الوثائق المتوفرة وخاصة في خمسينات وستينات وسبعينات القرن الماضي إلى عمليات تهجير طالت الكرد الفيلية .

 والملاحظ في عمليات التهجير الأخيرة (1980 وما بعدها) أنها اتسمت بقوانين قاسية مورست مع المكون الفيلي ، وتعدّ من أغرب قوانين العنصرية في العالم ، ومنها تشجيع الزوجات والأزواج العرب على الطلاق من الكردي الفيلي (التبعي) مقابل مكافأت وامتيازات مغرية ، لقد هُجّروا من وطنهم تاركين أموالهم وممتلكاتهم والأعز من كل ذلك بناتهم وأبنائهم فكل عائلة فقدت نصفها أو ثلاثة أرباعها, اختطفهم أوباش دخلاء على الوطن… ! بل لم يراع المجرم وحدة العائلة الواحدة إذ أصدر قراراً فريداً من نوعه ، يقوم فيه بتسفير الآباء والأمهات والإبقاء على الأبناء من الشباب وتصفيتهم ، وهناك أدلة على قتل سبعة عشر ألف شاب تم احتجازهم سنة 1980م وتمت تصفيتهم خلال السنوات 1983- 1986 .

مجزرة خطف وحشية من الجامعة والمدرسة والملاعب وحدائق الأطفال وأحضان الأمهات حيث انتحر الضمير الإنساني من الوريد إلى الوريد بطريقة جنونية, فكانت شريحة بآلافها بين قتيل ومهجر ومطارد, وظل ما تبقى من الأمهات والأخوات والزوجات والعمات والخالات يحملن أمل اللقاء بمن سرق من بين أحضانهم, والآباء تبحث عيونهم في سماء العراق عن خبر ووهم وفرج كاذب مع أن المفقودين زُرِعوا أشلاءً في تراب العراق وأرواحاً يمزقها الحنين والفضول لمعرفة مصير من غادر الوطن .

قضى هؤلاء الشباب الأشهر الأولى في سجن (أبو غريب) وهناك قاموا بأروع إضراب وعصيان ضد الطاغية ، وقد أشرف المجرم برزان التكريتي على إخماد انتفاضتهم بعد أن أعدم منهم ما يقارب الألف معتقل من خيرة أبنائهم .. تم نقلهم بعدها إلى سجن قلعة السلمان (في الصحراء الممتدة من السماوة الى السعودية) وهناك قضوا إلى عام 1986 … لم يخرج من هؤلاء إلا قلة قليلة لا يزيدون عن (الخمسين معتقلا) وذلك بين عامي 1986 – 1987 م ، فيما قضى البقية شهداء تحت تجارب علي كيمياوي الغازية السامة في سجون نقرة السلمان وبحيرة الحبانية وصحاري محافظة المثنى…. والإرسال إلى جبهات الحرب مع إيران للسير على الألغام .

هؤلاء (الشهداء المنسيون) لم يعثر لهم على اسم ولا رسم بعد سقوط النظام .. رحلوا ولم يصل إلينا إلا القليل من أخبارهم وصور قليلة تم التقاطها لهم في فترة زمنية محدودة ..

لا زالت الدولة العراقية تتغافل عن مأساة الكرد الفيلية على الرغم من صدور قرارات عادلة بحقهم، ولكن هناك سؤال يثار أحياناً ، وهو : ألم يحن الوقت للبحث عن الأرض التي فيها دفنوا أسوة بشهداء الأنفال وحلبجة والانتفاضة الشعبانية ومحنة الإيزيديين وغيرها ؟ إنه نداء ومطلب لا يقبل التأجيل والتسويف ..

ويكفيهم فخراً أنهم كانوا ولا زالوا يفخرون بإخلاصهم ووفائهم اتجاه شعبهم وتربة وطنهم حتى صار إخلاصهم مضرباً للأمثال ، أنهم أعطوا أنفسهم وأرواحهم وبكل رضا وسعادة للعراق وتجدهم وهم منتشرون في كل دول العالم سواء كانوا سعداء أم تعساء فإن قلوبهم تخفق للعراق وأرواحهم ترنو إليه. فسلام على (المنسيين) من شهداء الكُرد (الفيليين) ..