ataba_head

دولة القمع العراق قبل 2003 م

دولة القمع

العراق قبل 2003 م

د. قيس ناصر

جامعة البصرة

 

   إنَّ دراسة حقبة حزب البعث في العراق, لا تزال موضع اهتمام بعض الباحثين الغرب, ولعل كتاب (دولة القمع …العراق في فترة حكم صدام حسين) أحد الأمثلة على ذلك, وقد صدر عن جامعة برنستون في عام 2018م , للباحثة ليزا بلايدز, التي تُعد واحدة من أبرز الباحثين, الذين اعتمدوا في دراستهم الأرشيف العراقي في معهد هوفر في الولايات المتحدة الاميركية, بعد أن نقلته مؤسسة الذاكرة العراقية إلى المعهد في سنة 2008م, مع تأكيد القول إن الباحثة لم تكتفِ بما متوفر في المعهد المذكور أنفاً, بل اعتمدت أيضاً على الأرشيف العراقي في مركز أبحاث تسجيلات النزاع التابع إلى وزارة الدفاع الاميركية, فضلاً عن الإفادة من الشخصيات المهتمة بالأرشيف العراقي مثل فريق مؤسسة الذاكرة العراقية أو باحثين مثل بروس مونتغمري- باحث أميركي مهتم بالأرشيف العراقي- وغيره, وهذا الأمر مكنّها من دراسة السلوك القمعي للنظام البعثي بتفاصيله الجزئية .

   ومن الجدير بالذكر أن كتاب دولة القمع يُركّز على دراسة السلوك السياسي للنظام البعثي للفترة من 1979-2003م, وقد ميّزت الباحثة بين دراسة النظم الاستبدادية في الدولة ذات المكوّن أو الجماعة الواحدة, والاستبداد في الدولة متعددة القوميات والأديان والطوائف كالحالة  العراقية, وسلطت الضوء على مراحل سلوك النظام البعثي الاستبدادي, من حيث اعتماده على الاقتصاد في بناء قدراته ولا سيما مع السبعينيات من القرن العشرين, إلى مرحلة الثمانينيات– مرحلة الحرب -, وحتى مرحلة التسعينيات – مرحلة الحصار الاقتصادي -, والكيفية التي ساعدت نظام صدام في بقائه في السلطة على الرغم من تدهور قدراته ووسائله القمعية, وفي الوقت نفسه, لم تنسَ الباحثة الإشارة إلى سعي المواطنين للمحافظة على هوياتهم وإنسانيتهم في ظل نظام قمعي, وما هي ردودهم اتجاه القمع الذي تعرضوا له؟ ذلك أن الباحثة تعتبر العراق في ظل حكم صدام من أكثر الدول قمعاً في القرن العشرين

    ويتبين أيضا من كتاب دولة القمع السلوك الذي اعتمده النظام البعثي في تنفيذ عقوبات جماعية لأبرياء يخالفوه بالانتماء الطائفي أو القومي, وهذا الأمر قد عزز من انقسام الهوية, وفي ذلك توضيح لمن يقول أن سؤال الهوية قد ظهر في العراق ما بعد 2003م, إذ أن من خلال هذا الكتاب وغيره يتبين أن سؤال الهوية في العراق يرتبط بشكل ما بالسلوك القمعي للنظام الصدامي. وعلى الرغم من أن الأدبيات السياسية تُركز على دراسة معيار ضعف الدولة من خلال الديمقراطية سواء أكانت ديمقراطية راسخة أم ناشئة, إلا أن الباحثة اهتمت بدراسة ضعف الدولة العراقية من خلال بيان ضعف التأسيس لهويتها السياسية, فما تم استثماره في الفترة من 1973-1979م هو السعي لبناء هوية على وفق مزاج سلطة البعث وليس على وفق ما هو كائن من تنوع ثقافي .

    وخلاصة القول إن مؤلفة هذا الكتاب قد درست موضوعات لا تزال محل جدل, مثل: الدولة والأمة والدين والهوية في العراق, وسياسة البعث في الهيمنة على كل شيء عبر وسائل القمع, واللافت إنها حاولت الاشتغال في قسم من الكتاب على تقديم تأسيسات نظرية لدراستها, فضلاً عن اهتمامها بدراسة تأثيرات الحرب والتداعيات السياسية للحصار الاقتصادي, والسلوك السياسي لنظام صدام القمعي .