ataba_head

العنف السياسي وإرهاب السلطة 5/ الإعلام البعثي..إعلام سلطوي محرّض على العنف

العنف السياسي وإرهاب السلطة 5/

الإعلام البعثي..إعلام سلطوي محرّض على العنف

م.م محمد الخزاعي / العتبة العلوية المقدسة

 

تحتاجُ الأنظمةُ الدكتاتورية إلى شيئين مهمين لاستمرار أنظمتها وتمسكها بالحكم, هما القوة المفرطة , والإعلام الموجّه , باعتبارهما يقوّضان الرأي الآخر , و يتحكمان باتجاه تثبيت قواعد حكم النظام الدكتاتوري.

ومن المعروف أنه قد جُبِلَ البعثيون في حبّهم للبعث البائد وانتمائهم لصنمهم المعبود، ولصنمية الحزب الدموي، إذ كانوا ينظرون للحكم بأنّه الوسيلة الوحيدة لاستمرار حزبهم المتطرّف فكراً ومنهجاً وسلوكاً , وبالتالي كانوا بحاجة ماسّة إلى ترويج أفكارهم أو فرضها بالقوة من خلال الإعلام الموجّه.

و إن الصنمية التي مارسها الحزب في إقصاء الآخرين لم تكن لتخفى على أحد، إذ كان الإنسان في ظلِّ حكمهم لا يستطيع التعبير حتى عن مشاعره , بل لا بد له من تمجيد القائد فقط , إذ أنهم استعملوا آلة إعلامية كبيرة في بثِّ الخوف داخل نفوس العراقيين .

ولم تأت نزعةُ العنف في نفوس البعثيين صدفة فلقد نَظَّرَ هذا الفكر للعنف تنظيراً خاصاً، ولو كان هذا الفكر يحملُ بين طياته حبَّ الخير والصلاح لما كانت كوادره من المجرمين وقادته من أعتى مجرمي الأنظمة الدكتاتورية، إذ لم يكن في عقلية هذا الحزب وكوادره إلاّ الشر الذي وزعوه على الناس بشكل مفرط، ولم يكن ليعمل غير الذي عمل من القتل ونشر الخوف والدمار والفساد في كل زوايا الحياة وجوانبها في العراق.

فبعد أن سيطرَ الحزبُ البائد على مقاليد السلطة وتحكّم بكلِّ مفاصلها لجأ الى خيارات إعلامية عديدة في تغيير ذهنية العراقيين وتفريغها من القيم الإنسانية النبيلة , إذ لم يكن قادراً على مواجهة الجماهير الواعية بوجهه الحقيقي , لذلك سعى إلى التزييف والكذب في صياغة خطابه الإعلامي بتصوير قائده صدام التكريتي بأنه زعيم عربي , أو قومي ,يسعى لاستقلال القرار العربي , بل وصل توصيفه في إعلامهم إلى أنه المُخلّص الوحيد للعرب من الاستعمار وبقاياه , في حين كشفت التقارير الاستخبارية ومذكرات المنشقين عن هذا الحزب أن مجيئه للسلطة كان بتخطيط استخباراتي غربي، ولم يكن ذلك صعباً على جهازه الإعلامي الذي يتشكل من مجموعة من الكوادر الإعلامية البعثية التي كانت تعمل في صفوفه إبّانَ سعيه للوصول إلى السلطة، ومن الطبيعي أن يوظّف هذا الحزب المال العام الخدمة مخططه الإعلامي.

فبعد أن قام حزب البعث بالسيطرة على الحكم سنة  1968م أصدر مجلس قيادة الثورة قانون المطبوعات المرقم (206) لسنة 1968م، الذي نظّم عمل الإعلام ووسائل النشر بصورة عامة وفقًا لرؤية الحزب الحاكم وأفكار الحزب القائمة على العنف في مواجهة أي اعتراض أو اختلاف في الرأي، وأنيطت مهمة الإشراف على وسائل الإعلام والنشر إلى مكتب الثقافة والإعلام في القيادة القومية لحزب البعث ، الذي تولّى مهمة توجيه السياسة الإعلامية في العراق وتحديد ملامحها , وبعد استلام صدام التكريتي الحكم في العراق، حوّل الإعلامي المكتوب والمرئي لأدوات ناطقة بالولاء والتقديس له وحده,إذ كانت صوره وحدها كانت تتصدّر الصفحات الأولى في الصحف، وبداية البث التلفزيوني مع إشراقة كل شمس، , وأصبح الإعلام العراقي بمثابة ثكنة عسكرية، تنقل أخبار القائد فقط.

فكان يطبق الخناق الإعلام كليّا , ولم يكن يُنشر سطراً واحداً دون المرور بالدائرة الثقافية للحزب , التي تعمل على صياغة خطاب إعلامي عنفي يمجّد جزب البعث , ويزيف حقائق معارضيه.

وبذلك فقد الإعلام إبّان سيطرة حزب البعث الى الأمانة الشرعية لأنه إعلام مُسَيَّس من قبل قادة هذا الحزب لبث الخوف والرعب في نفوس العراقيين عبر تزييف الأخبار وتشوية الحقائق.

وأبرز مثال على الإرهاب العنفي الذي كان يمارسه حزب البعث مقولة “للحيطان آذان” إذ روّج الإعلام البعثي بكلِّ قدراته لها حتى يضمن عدم معارضته أو حتى التفكير في ذلك , فكان الرجل يخشى أن يتحدثَ بما يسيء للحزب حتى مع أُسرته, ولكن التحوّل الأكبر في استعمال العنف داخل الإعلام كان مع تزعّم عدي صدام التكريتي نقابة الصحافيين العراقيين عام 1991،هذا المجرم الذي يتغنّى بإجرامه بدأ سلسلة جديدة من القمع والانتهاكات والطغيان، بحق جميع العاملين في هذا المجال، تضمنت اعتداءات جنسية على صحافيات وإعلاميات وعمليات اغتصاب وتعذيب وسجن وقتل صحافيين وإعلاميين وإعلاميات , وغيرها من الجرائم التي مارس فيها هذا الحزب وأزلامه عنفاً سياسياً ضد معارضيه , وضد الشعب العراقي بصورة عامة , لما يمتلكه هذا الحزب من أفكار دموية قائمة على العنف والتطرف وإقصاء الآخرين .