ataba_head

المثاقفة وتوسيع فرص التعايش الأليف كآليّة لمواجهة التطرف

المثاقفة وتوسيع فرص التعايش الأليف

كآليّة لمواجهة التطرف

الأستاذ المســـــاعد الــــدكتـــور رائــــــد عــــبـــيـــس

جامعة الكوفة

 

اعتمدت كثير من البلدان التي تتشابه ظروفها مع العراق , آليات لمواجهة التطرف, عبر منهجية المثاقفة, وتوسيع فرص التعايش الأليف, بين فئات المجتمع المتخاصم, سياسياً, أو اجتماعياً, أو عرقياً, أو طائفياً, وهذه المنهجيات صدرت عن مؤسسات ذات أثر فاعل في المجتمع , مثل: المؤسسات الدينية , والمؤسسة التعليمية , والمؤسسات الثقافية المتنوعة الحكومية والأهلية, بعد أن أدركت هذه الجهات خطورة نمو التطرف, وأتباعه كبديل عن القيم السائدة في المجتمعات.

فكانت هناك خطوات منها: دراسة مشكلة التطرف المستوطن منه والطارئ, وفتح مراكز معنية بهذا الأمر, وفتح آفاق الحوار المجتمعي, بالمكاشفة, والصراحة, والاعتراف بالمشكلة التي قد يتسبب أي من هذه الجهات بخلقها وإيجادها.

في المجتمع العراقي هناك ظاهرة متجذرة سلبية الى حد كبير, وهي التطرف في أخذ الحقوق, والتطرف في الإفراط بتركه, والتخلي والسكوت عنه الى حد التهتك.

 هذا التناقض وهذه الازدواجية, هي سمة تطرف, ومبالغة, يتميز بها المواطن العراقي , ويحتاج بها الى مران, وتدريب, وتثقيف على مناسبات أخذ الحق, وتوقيته الصحيح.

 إلا إنه يقابل السكوت عن الحق أخذه بالعنف والقتل, أو عبر المبالغة وتهويل المطالب به. فالخيار الذي يضع به نفسه؛ أما السكوت المذل, أو الفوران القاتل, ما هو إلا نوع من العصبية الكامنة, والتطرف المتواري خلف الحِلْمُ المصطنع.

ونعتقد أن هذه المشكلة , هي من أخطر المشكلات المُهددة للتعايش الأليف والتي نحتاج معها إلى ضابطة دينية, وقانونية, وأخلاقية, وثقافية, توسع من فرص المثاقفة بين المكونات, عسى أن نحدَّ بها من طغيان تلك العصبيات على الأخلاق العامة. وبالتأكيد عندما تضعف سلطة القانون, سوف يلجأ المواطن إلى الاحتماء بالعشيرة أو بالحواضن, والتبجح بعصبيتها, وتجاوزها للقيم.

وهنا يقع على عاتق الحكومة وبشكل كبير, ضرورة العمل على وضع برامج تثقيفية تعزز التعايش بين فئات الشعب المتنوعة, من الأقليات الدينية, والقومية, والعرقية, وحتى بين الفئات المتخاصمة داخل المكون الواحد على المستوى العشائري, والعرفي, والسياسي, والذي يطغى فيها التطرف حتى يصل مرحلة الاقتتال الهمجي بعيداً عن مبدأ القصاص وفرض الحد. مثل : حرق المنازل, وقتل الأطفال, والنساء, وما إلى ذلك.

فالمجتمع العراقي بحاجة إلى برامج مكثفة, من التأهيل المدني والعيش المسالم, بعيداً عن النعرات القبلية, والأفكار الطائفية الاقصائية, والمناطقية المقيتة, التي من شأنها وضع فجوات اجتماعية تقيد الاختلاط, والاندماج الاجتماعي بين مواطني المحافظات العراقية.

 ومن هذه البرامج؛ برامج سياحية, أو علمية, أو كشفية, أو تنظيمية ,أو شعبية عشائرية مثل: المجاملات الاجتماعية في مناسبة الأفراح, أو الأحزان, أو الولائم, وغيرها من مظاهر الاندماج, والتواصل الاجتماعي التي باتت محدودة, بفعل عوامل سياسية وطائفية. أو بوساطة التواصل الرسمي أو شبه الرسمي بين أبناء الأقليات, والمكونات الاجتماعية, مثل: المؤتمرات العشائرية, ولقاءاتها, أو التواصل الأكاديمي؛ كالمؤتمرات العلمية وغيرها, ومنظمات المجتمع المدني, والمؤسسات الشبابية التي تؤمن بالتنوع, والمختلف, والاندماج ؛ كخيار وطني لتعزيز التعايش الأليف بين العراقيين , وتجاوز الأفكار المقيدة بحدود القناعات الضيقة, وهذا ما نُريد التأسيس له لخلق بيئة مناسبة؛ لزيادة فرص الاندماج الاجتماعي, ونبذ خطاب الكراهية, والتطرف, والخصومة القاتلة.