ataba_head

الآثار البيئية لجريمة تجفيف أهوار جنوب العراق

الآثار البيئية لجريمة تجفيف أهوار

جنوب العراق

أ.د. حسين الزيادي

جامعة ذي قار

 

     تعدُّ أهوار جنوب العراق نظاما بيئيا فريدا لامثيل له في الشرق الأوسط، وقد تعرّضت هذه البقعة الموغلة في القدم لأكبر جريمة بيئية شهدها التاريخ الحديث، وهو عبث متعمد بالموازين الطبيعية، إذ قام نظام البعث في تسعينيات القرن العشرين وبعد انتهاء حرب الخليج الثانية عام 1991، بحملة هندسية واسعة ومبرمجة لتجفيف أهوار جنوب العراق انعكست آثارُها المدمرة على التنوع النباتي والأحيائي، وقد رافق ذلك إجلاء لسكان القرى الواقعة في أعماق الأهوار، وقد تم تنفيذ هذا المشروع من خلال إنشاء سدود ترابية لمنع تدفق المياه إلى الأهوار وهو ما يسمى بـ (تكتيف الأنهار)، ومن ثمَّ توجيهها لتصب في نهر الفرات عند القرنة وتحويل جزء من مياه نهر الفرات إلى مشروع الحرية، فضلاً عن إنشاء سدة ترابية بين قضاء المدينة ومحافظة ذي قار لمنع تدفق مياه الفرات إلى هور الحمار، مع سدود ترابية داخل الأهوار نفسها لتسهيل تجفيفها بسرعة، وهي عملية أدت إلى تغيير النظام البيئي للمنطقة الذي كان قائماً لأكثر من(5000) سنة ، وتقليص مساحة الأهوار التي كانت تمتد لمسافة (15000-20000) كم2 إلى أقل من (2000) كم2 وتدمير الأهوار المركزية بنسبة (90%) وتحويلها إلى أراضٍ جرداء وصاحب ذلك انخفاض في مجموع سكان الأهوار من (400.000) نسمة إلى حوالي (85000) نسمة، حيث فقد السكان مصدر معيشتهم المتمثلة بتربية الجاموس وصيد الأسماك.

    ويمكن تتبع الآثار البيئية للتجفيف من خلال ظهور مشاكل بيئية كبرى أبرزها انخفاض مستويات التنوع الأحيائي والتلوث والتصحر ويمكن تلخيص بعضها بالآتي:-

أولاً- الآثار المتعلقة بالتنوع الأحيائي

تعد أهوار جنوب العراق أهم النظم الأيكولوجية للمياه العذبة عالمياً الواقعة ضمن بيئة شديدة الجفاف ذات المستويات الأعلى تبخراً والاقل هطولاً للأمطار؛ لذا يمكن عدها جزيرة من الأرض الرطبة وسط محيط من الصحراء، وتحتوي الأهوار على تنوع كبير في الأنواع الحية من اصناف تضم  (264) نوعا من الطيور و (44) نوعا من أسماك المياه العذبة و (20) نوعا من الأسماك البحرية و (28) نوعا من الزواحف وثلاث من أنواع البرمائيات و(25) من أنواع اليعسوبيات و (371) نوعاً نباتياً، ويذهب البعض إلى أن هناك أكثر من (90) نوعاً من النباتات المائية تنمو في بيئة الأهوار والمستنقعات منها (59) نوعاً من النباتات الزهرية، فضلاً عن النباتات المستنقعية والسرخسية، وتضم نباتات الأهوار أنواع من النباتات المائية تعود إلى عوائل ومجاميع نباتية تختلف في صفاتها ونسب تكيفها للظروف المناخية, وبعد عملية التجفيف انخفضت الأرقام الواردة أعلاه إلى ربع العدد، فأغلب الطيور والأسماك والحيوانات المائية والمجاميع النباتية تعرضت للانقراض ولم يعد لها وجود، كما أن بعضها أدرج ضمن القائمة الحمراء أي المهددة بالانقراض.

ثانياً- الآثار المناخية                                                                                                                                                       

كانت الأهوار تؤدي دورا  مهما في حماية وتحسين البيئة، واعتدال درجات الحرارة لكثافة الغطاء النباتي فيها، وبعد التجفيف اختل هذا التوازن البيئي وتغيرت طبيعة المنطقة، والظروف  المناخية المحلية، فالمعدل العام  لدرجة الحرارة انخفض بمقدار درجة واحدة مع انخفاض نسبة الرطوبة وارتفاع نسبة التبخر، فأصبحت المنطقة ذات بيئة جافة، ومن ثم تعرضها إلى ظاهرة التصحر ؛ لا سيما أثناء فصلِ الصيف الحار، ومع هبوب الرياح الجافة، فالتصحر عملية هدم، أو تدمير للطاقة الحيوية، وهو مظهر من التدهور الواسع للأنظمة البيئية الذي يؤدي إلى تقلص الطاقة الحيوية  للأرض المتمثلة في الإنتاج النباتي والحيواني، ومن ثم التأثير في إعالة  الوجود البشري هناك، وللتصحر مؤشرات طبيعية وأخرى بشرية، وأهم تلك المؤشرات  التي تمثلت في المنـطقة:

ثالثاً-الغبار والغبار المتصاعد 

تتعرض المنطقة الجنوبية من العراق ؛لا سيما في فصل الصيف إلى تأثير كتلة هوائية ملوثة بالأتربة ترفعها الرياح السطحية تسبب انخفاض الرؤية إلى أقل من كيلومتر واحد بسبب الانقلاب الحراري الذي يـحد من ارتفاعـها ، ولكن بـعد تجفيف الأهوار وإزالة الغطاء النباتي اشتد حدوث هذه العواصف، إذ بلغ معدل تكرارها للمدة 1970–1979م لشهر تموز (13، 9،18) لمحطات العمارة، والبصرة والناصرية على التوالي، بينما بلغ معدل تكرارها للشهر نفسه للمدة 1990–1999م (23،17،10) للمحافظات على التوالي ، يتبين مقدار ازدياد معدلات حدوث هذه العواصف نتيجة عمليات التجفيف، وحتى المناطق الصالحة للزراعة المحيطة بالأهوار تعرضت هي الاخرى لهذه العواصف الترابية الملوثة، وليس على هذه المناطق فحسب بل أمتد تأثير هذه العواصف الى آلافِ الكيلومترات المربّعة.

رابعاً- تملح التربة

لقد حدثت تغيرات عديدة في خصائص وصفات التربة، اذ أكدت مسوحات التربة حدوث عمليات إعادة تملح، وتكون قشرة ملحية على السطح؛ لأن المنطقة كانت مغمورة بالمياه، مما أدى إلى ارتفاع تركيز الأملاح الذائبة في التربة مثل  كلوريدات وكبريتات وبيكاربونات الصوديوم والمغنسيوم والكالسيوم، بسبب ارتفاع مستوى الماء الأرضي والمناخ الجاف وظروف الصرف الرديئة،

خامساً- ظهور الأمراض والأوبئة

لقد ظهرت أمراض في المنطقة  لم تكن معروفة سابقا” نتيجة لعمليات التجفيف  مثل اصابات بأمراض الحساسية بأنواعها، إضافة إلى ظهور الأمراض السرطانية والتشوهات الخلقية، والعقم وارتفاع نسبة الوفيات ؛لاسيما بين الأطفال تحت سن الخامسة، بشكل رئيس أثناء سنتهم الأولى.