مقياس التطرف!
بقلم: أ.د/ محمد إبراهيم العشماوي
أستاذ الحديث الشريف وعلومه في جامعة الأزهر الشريف
التطرف أخذ أحد طرفي الشيء، بعيدا عن الوسط، ومن خصائص دين الإسلام الوسطية، كما ينبيء عنه قوله تعالى في فاتحة القرآن الكريم، على لسان المؤمنين بهذا الدين، تذكيرا لهم بهذه الخصيصة: (اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم، غير المغضوب عليهم، ولا الضالين)، وهو الدعاء الذي ندعو به في كل صلاة، وكذلك قوله تعالى في ثاني سور القرآن ترتيبا، وهي سورة البقرة، وصفا للأمة التي تدين بهذا الدين: (وكذلك جعلناكم أمة وسطا)، فالوسطية هي الصراط المستقيم، الذي لا يعوجُّ يمنةً ولا يسرةً!
وعلى هذا فالتطرف جامع لمعنيين:
الأول: أن يتشدد في أمر الدين بما لم يأت به الدين نفسه، كأن يحرم على نفسه الزواج – مع احتياجه إليه – ويوجب عليها قيام الليل، وصيام الدهر، والحج ماشيا مع عجزه عنه، أو يتعلق بحبل وهو يصلي بالليل حتى لا يأخذه النوم!
والثاني: أن يتساهل في أمر الدين بما لم يأت به الدين نفسه، كأن يصلي بلا وضوء، أو يحج في غير أشهر الحج، أو يصوم في غير رمضان على نية رمضان، أو يعتقد أن الحجاب ليس فرضا على المرأة!
وقد غلب استعمال التطرف في المعنى الأول، والصواب أنه يشمل الأمرين!
على أنه ينبغي التنبيه إلى أنه في عصور التحلل من قيود الدين؛ يعدُّون الملتزم متطرفاً، وهو خطأ محض، فإن ثمت فرقاً كبيرا بين التطرف والالتزام، فالملتزم ليس متطرفا، ولو أخذ بأشد الآراء، وكذلك الآخذ بأسهل الآراء ليس مبتدعا ولا فاسقا، ما دام له دليله المعتبر من الشرع، فمن رأى فرضية النقاب؛ لا يعد متطرفا، وكذلك من لم يره فرضا؛ لا يعد مبتدعا ولا فاسقا، ومن رأى وجوب اللحية لا يعد متطرفا، ومن رأى أنها مستحبة لا يعد مبتدعا ولا فاسقا، إنما يعد كذلك إن اعتقد رأيه هو الحق المطلق، ورأي غيره هو الباطل المطلق، وإن كان ينبغي مراعاة أعراف البلدان وعادات أهلها في التخير بين الآراء والمذاهب، ومن المقرر أن حكم الحاكم برأي من الآراء أو بمذهب من المذاهب؛ يرفع الخلاف في المسألة، ويتعين العمل بالرأي المختار، وبالله التوفيق.