العنف السياسي وإرهاب السلطة (2)
محمد جاسم الخزاعي/ العتبة العلوية المقدسة
تعدُّ مشـكلةُ تحديـدِ المفـاهيم مـن المشـاكل الأساسـية في أيِّ تحليل أو دراسة، الأمــر الــذي يخلــق لــدى الكاتب _أحياناً_ قــدرا مــن الارتبــاك واللّبس والغموض عند استعمال هذه المفاهيم , لذلك من المهم بداية تحديد مفهوم العنف السياسي كعتبةٍ أولى نحو تحليل هذا المفهوم.
تتنوع و تتعدد التعريفات المتعلقة بمفهوم العنف السياسي , و يوجد شبه اتفاق بين أغلب الدارسين لظاهرة العنف السياسي على أنَّ العنف يصبح سياسياً عندما تكون أهدافه أو دوافعه سياسية , و بالرغم من الاختلافات الموجودة بين الباحثين في تحديد طبيعة الأهداف و القوى المرتبطة به فإنَّ أغلبهم يعرفون العنف السياسي بأنه استخدام القوة المادية أو التهديد ؛ لتحقيق أهداف سياسية و يعرفه “تيد. هندريش” بأنّه اللجوء إلى القوة ضد الأفراد أو الأشياء لإحداث تغيير سياسيّ .
وإذا أردنا البحث في تاريخ العنف السياسي في العراق , نجد أنَّ السياسية اقترنت بالعنف قبل قيام الدولة العراقية الحديثة مطلع القرن العشرين , وكان العراقيون يحرصون على عدم الاقتراب من السياسيين والحكام خوفًا على أرواحهم.
ومع قيام الدولة العراقية الحديثة مطلع القرن العشرين اتخذ الصّراعُ على السلطة والتنافس السياسي شكلا أكثر دموية.
إذ شهدَ العراقُ خلال مراحل تحوّل الحكم في الفترة الملكية تقلبات سياسية، فالسياسة العراقية الخارجية انحازت للغرب، وأقيم حلف بغداد مع تركيا وإيران وبريطانيا وباكستان والولايات المتحدة، مما ولّد نقمةً لدى الشعب، فنظم العديد من الاحتجاجات والمواجهات مع النظام الملكي في سنوات ما بين 1936 و1956م. الأمر الذي واجهته السلطة بالعنف , والعنف المفرط غالباً.
ومع انتهاء فترة الملكية سنة 1958م وتحوّل الدولة العراقية إلى النظام الجمهوري , بدأ العنف يأخذ أشكالا مختلفة , ولا سيما مع تكرار الانقلابات العسكرية التي عادة ما يصاحبها عنف , ومواجهات مسلحة.
إلا أنَّ التحوّل الكبير الذي حصل هو في سيطرة حزب البعث على السلطة إذ كان العنف والقتل من متبنيات هذا الحزب في السيطرة على زمام السلطة , فمنذ سيطرتهم و لا يعرف العراقيون من منهم سوى الدماء والقتل والغدر وسحل المعارضين والإعدام والحروب والدمار والنهب والسلب وحكم العشيرة الواحدة والعائلة الواحدة.
فالعصارات الفكرية والممارساتية لحزب البعث في العراق طيلة عقود أربعة من الزمن الموبوء من حكمه المشؤوم كانت كلّها حمراء بلون الدم القاني, إذ اتبع البعثيون مع خصومهم عنفا سياسيا شديد القسوة , منزوع الإنسانية.
بالتالي أصبح حزب البعث الحزب الأكثر دموية وإرهاباً وعنفاً بما ارتكبه من جرائم , وبما صدّره من أشخاص استطاعوا بحقّ أن يكونوا سفاحين , دائمي التعطّش للدماء ,عانى العراقيون من بطشهم وإجرامهم معاناةً كبيرة.
يتبع…