ataba_head

التطرف الجانح المكابرة الأولى على الحق

التطرف الجانح المكابرة الأولى على الحق

الأستاذ المساعد الدكتور رائد عبيس

جامعة الكوفة

 

لا تطرّف في الحق، ولا حق في التطرُّف، هذا المعيار الذي يجب أن نحاكمَ به أنفسنا وغيرنا ، إذن كيف يتحول إلى مكابرة جانحة؟ وكيف يختار لنفسه منهجًا لذلك؟ لا يمكن مجانبة العقل في الإجابة عن هذين السؤالين، حتى لا نبرر أي فعلة انحراف العقل وفلتانه عن المعيار الأول الذي تقدّم.

قد نكبح هواجس التطرُّف في نفوسنا ونعيق فعله في سلوكنا وننقده ليس من باب الازدواجية والتناقض في سلوك غيرنا، بل رغبة في حصول الحق وحضوره، هذه الرغبة الباطنية تعلن لنا سلامة الفطرة ورجحان العقل ، وهي الموازنة الأولى التي نقيس بها مستويات التطرُّف وجنوحه، والرابط الأساس في الإمساك بالعقل من الانزياح الشطط.

الوسطية العقلانية هي الحد في معرفة السلوك الذي يبتعد عن الفطرة ويحيد عن العقل، إذ إن كلا طرفي النقائض يمثل تطرفاً، وبمزيد من المبالغات والعناد والشرة والقناعات المندفعة يتشكل التطرُّف الجانح، ويبدأ في اتخاذ سلوك تعنيفي ودموي وايذائي وتخريبي خبيث، وصولا إلى النوايا، الذي بدأت فيها القوانين بالحساب والعقاب، ومضى فيها الدين بمواعيد العذاب والذنب، والخطيئة.

لذلك ومن أجله يوصي الدين على الدوام بمراقبة النفس وحسابها، وهو من وضع لها مراتبها من اللوم إلى الاطمئنان، وكلها تعد منهجاً فيما لو لم تستقر النفس على أي خيار، من ذلك، وتبقى مترددة ومتذبذبة ومتريبة وقلقة.

ومجالات حياة الإنسان مليئة بما يغني به نفسه تلك وتتخذ لها ما يناسبها، من تيارات فكرية، وعقائد وتقلي واتباع وتماهي مع ما يشد النفس وهواها، كان ومازال مسيرة خط متوازي مع العقلانية والحق، تناسخت فيها تجربة الشعوب وتشابهت بعناوين تطرف مختلفة حكمت بعضها دول، وقادت بعضها جماعات و تجمعت ربما على هدف واحد، ولكن بدوافع مختلفة، وهذا يعني أن جنوح تطرف كل  إرهابي قد يختلف عن الآخر تبعا لنوازعه النفسية وتوجهاته الفكرية، المعلنة وغير المعلنة.

ما تقدم أمثلته كثيرة عبر تأريخ البشرية، وما هو قريب منا المذاهب المتطرفة، والحركات المتطرفة العنيفة الناتجة منها، مثل حركة بوكا حرام، والقاعدة، وداعش، وغيرها من أفراخ هذه الحركات وشبيهاتها.

كانت منها داعش الوجه الأسود بحق، والأكثر دموية، ووحشية؛ لأن جنوحها الإرهابي كان ليس على ما تسميهم وتعدهم أعداء فقط، بل انقلبت بتطرفها الجانح حتى على مرجعياتها الحركية، والعقائدية، والفكرية.

وقد يُعزى ذلك إلى تعدد الدوافع، والانفعالات القاتلة، عند عناصر هذه المجموعة اتجاه علاقتها بالآخر الموالي لها أو غيره.

فالقتل الفردي عند هذه الفئة الجانحة، يعد تدريبًا للقتل الجماعي، كما تحقق مع جريمة سبايكر التي تعددت بها دوافع القتل المتطرف الجانح، بحسب عمق الرواسب الطائفية و السياسية والاجتماعية والعقائدية والمناطقية، وكل هذا يعزز ما نقول بأن التطرُّف هو مكابرة على الحق، تتحقق بسلوك جماعي، متى ما توفرت انطباعات، وأفكار جمعية مشحونة بالانتقام وعنفه.