ataba_head

حقوق الإنسان ومكافحة التطرف

حقوق الإنسان ومكافحة التطرف

الدكتور فاضل الغراوي

عضو المفوضية العليا لحقوق الإنسان

 

 

  • مفهوم التطرف.

يبدو أنَّ كلمة التطرف لم تكن موجودة كمصطلح في الأزمان الغابرة , وخاصة في العصر النبوي ,  والخلافة الراشدة ، حيث لم يظهر هذا المصطلح في القرآن , ولا في السنة النبوية , وإنَّما كان بديلًا عنها كلمات أخرى من قبيل الغلو والشدة والتنطع , فالتطرفُ مصطلحٌ معاصر  يشير إلى الأفكار المتعصبة لدين ما , وأخذ الناس بشدة فيه لذلك فان الُغُلُّو في الدين: هي مجاوزة الحِّد في التشُّدد والتصُّلب, بحيث أنَّ التّطرفَ كما ورد هو تجاوز الحدّ والخروج عن المألوف والمعتاد وتجاوز للاعتدال والوسطية وبالتالي فإنه سلوك غير سوي وذلك أنه مرفوض دينيا , وأخلاقيا , واجتماعيا ويؤدي إلى مخاطرَ جمّةٍ منها الانتهاكات الخطيرة التي يقوم بها المتطرفون لحقوق الإنسان وصولا إلى ارتكاب أفظع الجرائم بسند ديني غير حقيقي ومزور .

 

  • مظاهر التطرف.

   بالإمكان حصر مظاهر التطرف في النقاط التالية :

1-التعصب للعنصر الأري , واعتبار النفس على صواب والآخرين خارجين عن الملة ولو  لأتفه المخالفات البسيطة التي تعدّ من الفروع , وليست من الأصول والحكم على من أهملها بالكفر والإلحاد وقد نتجت عن ذلك جرائمُ فظيعة ذهب ضحيتها أبرياء كثيرون.

2-العنف في التعامل , والاعتداد بالأري الواحد ,  وعدم قبول الجدل  , و النقاش والمسارعة إلى إصدار الأحكام الاعتباطية دون درس , أو  تمحيص.

3- سوء الظن بالآخرين ,  والنظر إليهم نظرة سلبية تضخم من سيئاتهم، فالأصل هو الاتهام والإدانة. قد يكون مصدر ذلك هو الثقة الازئدة بالنفس التي قد تؤدي في مرحلة لاحقة بالمتطرف إلى ازدارء الغير.

4- استباحة الدماء والأعراض والتنكيل بالمخالفين إلى درجات غير مسبوقة وصولا إلى اساليب في التعذيب والقتل والمعاملة القاسية بما يمحو كل حقوق للانسان وينتهكها انتهاكا صارخا.

5-الانغلاق والتحجر والعزلة عن المجتمع والحياة فتسود ثقافة الموت والتنكيل بديلا عن ثقافة التسامح والعيش المشترك وقد أنتشرت مثل هذه الجماعات بكثرة في الدول العربية، خاصة في الجزائر ومصر والسعودية واليمن وسوريا، وبعد “الربيع العربي” بدأت بالظهور في كل من تونس وليبيا.

 

  • من هم ضحايا التطرف؟.

 1_ إن أهم الجهات في المجتمع والتي تكون الضحية الاولى لهذا التطرف هي كل المجتمع.

2_ كما أن الأطفال في المجتمع الضحية بداء التطرف يتعرضون لشتى أنواع التنكيل والاستغلال سواء في استخدامهم للعمل او المشاركة في الأعمال الحربية أو استغلالهم جنسيا وهو ما يعد من أفظع أنواع الانتهاك لحقوق الإنسان ؛ لأن الأطفال في كل الشرائع السماوية والقوانين الوضعية لا يتحملون أي مسؤولية فيما يشب بين الكبار من خلافات وبالتالي يجب استبعادهم عن أي توظيف أو  أي استغلال وقد رأينا صوراً فظيعة من تسليح الأطفال وقطع رؤوسهم نتيجة لهذا التطرف البغيض في كل النازعات المسلحة .

 3_ كما تنتهك حقوق المرأة  باعتبارها من الفئات الهشة  ويقع استغلالها بشكل رهيب في هذا التطرف وينظر إليها نظرة دونية بعيدة كل البعد عن توجيهات الديانات السماوية في جوهرها وغير المحرفة من قبل الاتباع كما حصل في كل الديانات دون استثناء بحيث تم استغلالها جنسيا فيما سمي باطلا مثلا في العراق وسوريا بجهاد النكاح وكانت معرضة للقتل لمجرد الشبهة في سيرتها بطرق فيها انتهاك واضح لحقوق الإنسان إضافة إلى فرض النقاب عليها ومنعها من العمل والخروج والبقاء في البيت لخدمة الرجل والابناء فقط.

 4_ كما أن الأقليات الدينية والعرقية معرضة إلى انتهاكات جسيمة لحقوقها في الحياة والعدل مع الطوائف الأخرى المهيمنة عدديا وعسكريا وثقافيا فتضطهد كل حقوقهم الدينية والمذهبية وتسلط عليهم كل أنواع التفرقة وهذا ما يحصل أثناء الحروب والنازعات المسلحة ولتفادي هذا الوضع
من الضرورة بمكان التسلح بثقافة دينية معتدلة وبناءة وموضوعية كما الشأن بالنسبة لديننا الإسلامي إذا استبعد منه كل الأفكار الهدامة والمتطرفة .

 5_ ومن مظاهر الاعتداء على حقوق الإنسان أيضا في هذا التطرف تهديم الآثار والتماثيل وتجريم الأعمال الفنية والتصوير وصولا إلى احتفالات بإعدام وإحراق أجهزة التلفزيون باعتبارها من صنائع الكفار وتصوير ذلك المشهد التعيس بأجهزة تصوير من ذات المنشا في تناقض رهيب وغير مفهوم  الأهداف إلا في مزيد من التراجع إلى الوارء والوقوف في وجه الحضارة والرقي والتقدم والانكفاء إلى الماضي دون التفكير في مستقبل المجتمع المتعرض للوثة التطرف .

 

  • جهة التنسيق في منظومة الأمم المتحدة المعنية بمنع التطرف العنيف ومكافحته.

عين الأمين العام مكتب مكافحة الإرهاب باعتباره جهة التنسيق الرئيسية في منظومة الأمم المتحدة المعنية بمنع ومكافحة التطرف العنيف المفضي إلى الإرهاب. وينسِّق المكتب عمل وكالات الأمم المتحدة ويكمِّله في البلدان التي يساعد فيها الدول الأعضاء على وضع الاستراتيجيات وخطط العمل أو الأطر التشريعية والسياساتية ذات الصلة بمنع التطرف العنيف ومكافحته.

ويقدِّم المكتب الدعم لبناء قدرات الدول الأعضاء والمنظمات الإقليمية بشأن مجموعة واسعة من مسائل منع التطرف العنيف ومكافحته، بما في ذلك ما يلي:

  • وضع خطط العمل الوطنية والإقليمية المتعلقة بمنع التطرف العنيف ومكافحته.
  • منع التطرف المفضي إلى العنف في السجون وإعادة تأهيل الجناة المتطرفين العنيفين وإعادة إدماجهم.
  • إجراء الاتصالات الاستراتيجية لتعزيز الخطاب البديل والمساعِد على مكافحة الإرهاب.
  • إشراك الشباب وتمكينهم لمنع التطرف العنيف ومكافحته.
  • التعليم وتنمية المهارات لمنع التطرف العنيف ومكافحته.
  • تعزيز دور البرلمانيين في مجال منع التطرف العنيف ومكافحته.
  • تسخير الرياضة وقيمها لمنع التطرف العنيف ومكافحته.
  • الفريق العامل المعني بمنع التطرف العنيف ومكافحته.

يرأس المكتب الفريق العامل المنشأ عملا بميثاق الأمم المتحدة العالمي لتنسيق مكافحة الإرهاب والمعني بمنع ومكافحة التطرف العنيف المفضي إلى الإرهاب، ويؤدي دور أمانة فريق العمل الرفيع المستوى المعني بمنع التطرف العنيف التابع للأمين العام لتوفير التوجيه الاستراتيجي لعمل منظومة الأمم المتحدة في مجال منع التطرف العنيف ومكافحته. ويستمد ولايته من استراتيجية الأمم المتحدة العالمية لمكافحة الإرهاب، ولا سيما الركيزة الأولى المتعلقة بالتدابير المتخذة لمعالجة الظروف المفضية إلى انتشار الإرهاب، والقرارات المتتالية للاستعراض الذي يجرى كل سنتين للاستراتيجية، وكذلك قرارات مجلس الأمن ذات الصلة بالموضوع، بما فيها القرارات 1373 (2001) و 1624 (2005) و 2178 (2014) و 2242 (2015) و 2250 (2015) و 2354 (2017) و 2396 (2017)؛ ويسترشد بخطة عمل الأمم المتحدة لمنع التطرف العنيف وتوصياتها، في سياق الاستراتيجية العالمية.

وينصب اهتمام الفريق العامل الرئيسي على تعزيز التنسيق والاتساق في عمل الكيانات المنضوية في الميثاق العالمي، كل في إطار ولايته، لدعم الجهود التي تبذلها الدول الأعضاء لمنع التطرف العنيف ومكافحته، مع احترام حقوق الإنسان وسيادة القانون كأساس جوهري، تمشياً مع القانون الدولي، بما في ذلك القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي للاجئين، مع التركيز بشكل أساسي على المساواة بين الجنسين وتمكين الشباب.

  • خطط العمل الوطنية والإقليمية.

تعدُّ خطط العمل الوطنية والإقليمية المتعلقة بمنع التطرف العنيف ومكافحته بمثابة أطر عملية لمعالجة دوافع التطرف العنيف المفضي إلى الإرهاب من خلال الأخذ بنهج شامل ومتعدد التخصصات ومنسَّق. ويسهِّل البرنامج العالمي للمساعدة في مجال السياسات المتعلقة بمنع التطرف العنيف ومكافحته التابع للمكتب تقديم مساعدة ” كامل منظومة الأمم المتحدة “ لدعم الدول الأعضاء والمنظمات الإقليمية التي تطلب المساعدة على تصميم خطط العمل هذه ووضعها وتنفيذها.

ويشارك المكتب بنشاط في دعم الدول الأعضاء التي تطلب المساعدة في آسيا الوسطى وجنوب شرق آسيا وغرب أفريقيا وسيوسع نطاق دعمه للدول الأعضاء في منطقة القرن الأفريقي وجنوب آسيا في المستقبل. ويُسترشد في تقديم هذا الدعم بـ ”الدليل المرجعي بشأن وضع خطط العمل الوطنية والإقليمية لمنع التطرف العنيف“ الذي صدر في أيلول/سبتمبر 2018.