banarlogo

ذكرى مجزرة سبايكر حزن يتجدد

ذكرى مجزرة سبايكر حزن يتجدد

د. عباس القريشي

 

في مثل هذا اليوم من صيف 2021م ذهبتُ مع حشود المستذكرين لمجزرة سبايكر في القصور الرئاسية بمحافظة صلاح الدين بقضاء تكريت , وعلى الرغم من اطلاعي على تفاصيل كثيرة من تلك الفاجعة ولكن ذُهلت بما رأيته! إذ كانت هناك فصول عديدة من المشاهد التي يمكن لكل منها أن يكون مسلسلا دراميا أو رواية يكتبها قلم الحقيقة من واقعه المرير

 

لدرجة أصبحت على يقين وبضرس قاطع اتحدى أي شخص يمتلك شيء من الإنسانية أن يذهب إلى هناك ولا يجهش بالبكاء والنحيب لما سيراه من الآم تجسدها صرخات الأمهات وعويل الآباء وبكاء أبناء المغدورين .

نعم رأيت أمّاً تحمل على رأسها صورةً لشابٍ بعمر العشرين ومخطوط عليها (محروس بعين الله .. وترجع بالسلامة) وهي تلتفت يمينا ويسارا تارة، وتارة أخرى تقترب من شاطئ دجلة وهي تُتمتم بشفتيها , وثالثة تتجه نحو المنحر حيث ذُبح المغدورون لعلها تستنشق دماء وليدها.

 

 

ورأيت فتى بعمر 13 ربيعا وهو يجهش بالبكاء وبصوتٍ قد بُح مخاطبا صورة أبيه تارة وأخرى نهر دجلة قائلا: ( بويه .. آني علي.. تعال.. بويه تعال أني جيت).

 

 

 

ورأيت جمعا من النساء والرجال متجمهرين فاقتربت منهم وإذا أجد أمرأة طاعنة بالسن مغمى عليها وهم يرشون الماء على وجهها آملين أن تستفيق..

 

ولا أنسى ذلك الرجل الذي أنهكته الهموم يصيح والدمع قد بلل لحيته البيضاء:(ييابه يكاظم.. ييابه يكاظم ).. وكلماته حلقت بي إلى نار من اكتوى بنار الشوق والفراق.. وبينما أنا هكذا وإذا بصوت: (دير بالك .. دير بالك) فالتفت وإذا بشابين يحملان أمراة أخرى وهي مغمى عليها وهما يركضان بها نحو المفرزة الطبية..

 

حاولت جاهدا أن أكون جلدا ولكن ما يحيط بي من عواطف ومشاعر صادقة أفقدتني ثباتي وانهمرت دموعي.. فذهبت حيث النصب التذكاري للأمهات الفاقدات على شاطيء دجلة

 

والتفت إلى ورائي فرأيت ذلك الجدار اللعين الذي قد أوقفوا عليه عشرات المغدورين وتجسدت صورة ذلك الشاب الذي كان يقول 🙁 آني مواليد 95) وكان يقصد أنه لا زال في مقتبل شبابه ولم يفعل أي ذنب ولم ير من الدنيا شيئا! والجلاد يضربه .. هربت من هناك فوجد نفسي أقف على شفير المنحر حيث سفكت تلك الدماء فتمثل أمامي ذلك الفتى القاصر القاتل.

وهو يرمي رصاصات مسدسه على شباب لا يعرف عنهم شيئاً.. نظرت إلى ماء دجلة فتمثلت أمامي جثامين الشباب ووجوههم وكأنها تقول بأي ذنب قُتلنا.. بأي جرمٍ أجسادنا للأسماك ترمى؟ .. ألسنا أبناء العراق.. ألم يكن لنا أهل وأحبة !.. ألم يكن لنا أبناء وأمهات.. فعلى ما قتلتمونا ومنهم حرمتمونا!

وستبقى مجزرة سبايكر في كل عام حزنا يتجدد ولها   في القلب حُرقة ولوعة في قلب الإنسانية.. ووصمة عار ولعنة خزيٍ في جبين فاعليها ومرتكبيها.