مجزرة سبايكر بين البعثيين والمتطرفين
الدكتور العقيد ثائر غالب الناشي
كان يوم 12 حزيران 2014 يوم استثنائي وصادم للإنسانية في شتى بقاع المعمورة , إذ لم يشهد التاريخ الحديث مثل هكذا عملية قتل جماعية بحق مجموعة من الشباب العزل في أثناء مغادرتهم مركز للتدريب والتأهيل إلى مساكنهم في مدن العراق المختلفة, ليتم أسرهم وعزلهم عنصريا ثم التنكيل بهم قتلاً وانتهاكاً لحرمات إنسانية, في أكبر عملية غدر جبانة , وبعد يوم واحد من سيطرة عصابات داعش الإرهابية ومن تحالف معها من المتطرفين على مدينة الموصل،إذ أسروا ( 2167) متدربا من القوات الأمنية خارج القاعدة الجوية, كانوا مدنيين ومجردين من السلاح تم اقتياد أغلبهم إلى القصور الرئاسية في مدينة تكريت وقاموا بقتلهم هناك ورمي جثثهم في نهر دجلة، فيما تم دفن بعضهم وهم أحياء في مقابر جماعية توزعت بين عدد من مدن تكريت الأخرى.
إذ كشفت جريمة سبايكر عن خطورة الفكر المتطرف ،وعن نزعة الجريمة في التفكير والسلوك، فما حدث عام 2014 من إبادة جماعية وضع العالم أمام صورة حقيقة الإرهاب وواقعه وطموحاته والغلو في الكراهية.
وكما أنَّ إحياء هذه الذكرى هي مسؤولية وطنية وحقوقية وأخلاقية تقع على عاتق المؤسسات الرسمية ،والنخب العلمية ، والثقافية ؛فضلا عن منظمات المجتمع المدني في توثيق هذه الجريمة وإظهار حق الضحايا للعالم بسبب بشاعتها ؛ لاستهدافها فئة معينة من أبناء الشعب العراقي التي ارتكبها مجموعة من المجرمين المستخفين بكل معاني الإنسانية بخلفية طائفية ودوافع الثأر بأسلوب غادر وجبان.
إنَّ طبيعة هذه الجريمة وقسوتها وموقعها تتطلب البحث عن الفاعلين الحقيقيين والدوافع الحقيقية المعلنة أو الخفية, فعملية نقل ضحايا مجزرة سبايكر إلى منطقة القصور الرئاسية تؤكد أن أزلام النظام السابق من البعثيين هم وراء جريمة قتل طلبة القاعدة الجوية في محافظة صلاح الدين ، وإن أغلب المجرمين من أعضاء حزب البعث المحظور ، ومن أزلام النظام البائد ، وأجهزته القمعية المنحلة ، فضلا عن بعض الأفراد من عصابات داعش الإرهابية الذين التحقوا فيما بعد, ويظهر أن الدافع لاختيار القصور الرئاسية مكان للقتل الجماعي لما لهذه القصور من رمزية عند القتلة, وذلك ثأرا لراس النظام المقبور، ولم يكن المجرمون في وقتها من أعضاء الجماعات الإرهابية، وقد انضموا إليها فيما بعد ،وهذا يثبت أن البعث والإرهاب وجهان لعملة واحدة ، تتمثل بفرض السلطة بالخوف والرعب والقتل على الهوية والتجرد من الإنسانية، وما خلفوه من مئات المقابر جماعية الدليل القاطع على منهجيتهم المتوحشة قبل وبعد عام 2003.
وبحسب عدد من المصادر نقلا عن هيئة المسائلة والعدالة أن رجال النظام السابق من البعثيين هم وراء جريمة مجزرة سبايكر في مدينة تكريت, وهذا يدل أن حزب البعث كان حاضنة للفكر المتطرف العنيف.
لقد أثبت البعث أنه مصدر الإجرام والشر وسفك الدماء، الذي ليس له إلا الكي والاستئصال من جسد العراق الجريح الذي ما زال مضرجاً من جراحات البعث المقبور، منذ أربعين عاماً خلت وإلى يومنا هذا وما خلفوه من العديد من المقابر الجماعية ستبقى شاهد على عدائيتهم وسلوكهم المتطرف0
إن ما حدث في سبايكر لا يشبه ما يمكن أن يجري في الخيال أو في أفلام الرعب ولا حتى في في قانون الغاب والتوحش، إذ كشف الإرهابيون على مختلف مسمياتهم عن خسة ونذالة وخيانة وتجاوز على الشرع ذاته، إذ لا يجوز قتل اأاسير والتمثيل به مهما كانت هويته وصفته.
وذكر بيان للأمم المتحدة “خلص فريق التحقيق التابع للأمم المتحدة لتعزيز المساءلة عن الجرائم المرتكبة من داعش إلى أن هجمات داعش على أفراد من الطائفة الشيعية في سبايكر تتمثل جريمة حرب تتمثل في القتل والتعذيب والمعاملة القاسية والاعتداء على الكرامة الشخصية، وخلصت التحقيقات أيضا أن داعش حرض على الإبادة الجماعية ضد المسلمين الشيعة”.
وكما أن من الواجب اليوم الدعوة إلى وحدة الصف والكلمة على جميع الأبعاد السياسية والاجتماعية والإعلامية والأمنية في سبيل عدم تكرار تلك المعاناة القاسية على جميع أبناء الشعب العراقي
إن الارباك السياسي والتقاطعات التي حصلت في المدة التي سبقت عام 2014 واستشراء الفساد الإداري والمالي في بعض مؤسسات الحكومة, كانت العامل الأساس في سيطرة الجماعات المتطرفة على مساحات واسعة من أرض الوطن تركت خسائر بشرية ومادية لا يمكن أن تحصى في جميع القطاعات.
وستبقى مجزرة سبايكر الأليمة حية في ضمير الأمة ،و وصمة عار في تاريخ البعث والإرهاب لكونها من جرائم الإبادة الجماعية المروعة ضد الإنسانية، إذ ما زالت توخز الضمائر الحية نظرا لبشاعتها وفداحتها حيث سفكت دماء آلاف الشباب العراقي بفعل الحقد البعثي الإرهابي الطائفي الاجرامي الغادر.