banarlogo

سبايكر , الثمن العظيم

سبايكر , الثمن العظيم

م.م محمد الخزاعي

العتبة العلوية المقدسة

 

 

 

صافي معيوف التميمي , رجل ستيني ,  يملك ولداً شاباً ذي الــ”24″ربيعاً  اسمه حيدر , متزوج ولديه طفل في الشهر الثالث من عمره, تطوّع في الجيشِ في منتصف سنة 2014م ، ومنذ أُعلن عن “مذبحة سبايكر” التي ذهب ضحيتها نحو أكثر من ألفين شهيد من الطلاب في القاعدة الجوية في محافظة صلاح الدين في الحادي عشر من حزيران/ 2014م ، أثناء اقتحام الكيانات الإرهابية مدعومة ببعض أبناء العشائر المنتمية إلى حزب البعث البائد في تلك المناطق  الواقعة في مدينة تكريت مركز محافظة صلاح الدين ، كان صافي معيوف يصبّر نفسَهُ على انقطاع الاتصال بولده على أمل أنّ أهالي المناطق المحيطة بالقاعدة قد احتضنته , وحافظت على حياته من إجرام كيان داعش الإرهابي , حتى وصله اتصال من وزارة الدفاع بعد مرور سنة على المجزرة بأنَّهم عثروا على بقايا جثمان ولده في مقبرة جماعية مكبّل الأيدي , معصوب الأعين.

وحكاية صافي هي ذاتها، حكاية الآلاف من ذوي الضحايا الذين انقطع الأمل عندهم في عودة أبنائهم , ولاسيما بعد انتشار الفيديوهات التي تؤكد المذبحة التي قام بها كيان داعش الإرهابي بحقِّ العزّل من أبناء الوسط والجنوب الذي دفعوا ثمن مواقفهم الوطنية وانتمائهم , حتى وصلتهم جثامين أبنائهم واحداً تلو الآخر بعد اكتشاف المقابر الجماعية .

ويرى بعضُ المراقبين أنَّ هذه الجريمةَ البشعة , التي تعدُّ من أقسى جرائم العصر , وأشدها وحشية لا تزال محطّ اهتمام كبير، خصوصًا و أنَّ لهذه الجريمة فصولاً وأحداثاً غامضة كُشِفَ بعضها بعد إلقاء القبض على مجموعة من المجرمين الذين شاركوا في هذه الجريمة ، الذين أكّدوا من خلال إفاداتهم أنَّ بعض أفراد العشائر ولا سيما المنتمون إلى حزب البعث البائد , و شخصيات , وأطراف سياسية , وحزبية شاركت بهذه الجريمة من خلال تقديم المعلومات لعناصر التنظيم , أو احتضانهم, أو من خلال الاشتراك المباشر في قتل الضحايا.

وما يدلُّ على ذلك أيضاً التشابه الكبير بين ما قام بها المجرمون المشاركون في مجزرة سبايكر وما كان يقوم به النظام البعثي البائد من التشفي وروح الانتقام والحقد الأعمى على الضحايا ؛لأنَّهم ينتمون إلى مكون معين .

أقول : أنَّ ملف مجزرة سبايكر لا يمكن أن يقفلَ من دون محاسبة المجرمين من مرتكبي هذه المجزرة , وعلى الرّغم من تنفيذ القصاص بمجموعة منهم , إلا أنَّ الكثيرَ منهم ما زال حرّا طليقاً _وربما يتمتع بميزات تفوق ميزات ذوي الضحايا_  فالمجرمون لم يكونوا من كيان داعش الإرهابي فحسب ؛ بل أنَّ هناك أطرافًا مشاركة في هذه الجريمة لم تدفع ثمن إجرامها بعد,  فعدم التمكن من معرفة كافة خيوط الجريمة ومرتكبيها ومصير المفقودين منهم بعد قرابة ثمان سنوات من ارتكاب الجريمة يشيرُ إلى الفوضى في مفصل من مفاصل الدولة الذي يأخذ على عاتقه مهمة حماية الوطن والمواطن من الأعداء, أو إلى أنَّ هناك مساع لاندثار هذا الملف

ويجب أن لا تقف المطالبات عند هذا بل يجب أن يستمر الضغط للكشف عن مصير المفقودين منهم , فلا يزال بعض ذوي الضحايا لم يعثر على عثمان أبنائهم , مما يدل أنَّ هناك مقابرَ جماعية أُخرى لم تكتشف بعد.

 إنَّها فاجعة مؤلمة تحتاج إلى بذل كلِّ الجهود للكشف عن الجريمة المروعة , حرصاً على إدانة مرتكبيها , وانصافاً لضحاياها من العزّل الذين لا ذنب لهم سوى أنَّهم أرادوا أن يشتركوا في بناء هذا البلد.