banarlogo

استذكار أحداث حزيران 2014م لتضميد جراحاتها

استذكار أحداث حزيران 2014م لتضميد جراحاتها

د. قيس ناصر

جامعة البصرة-مركز دراسات البصرة والخليج العربي-قسم الدراسات السياسية

 

 

    قبل ثمان سنوات, سيطرت مجاميع كيان داعش الإرهابي على ثلث العراق, وكان رمز تلك السيطرة, هو احتلال الموصل في 6/10/ 2014م, وما تلاها من مجازر ارتكبت بحق شهداء قاعدة سبايكر, ومجزرة سجن بادوش, والإبادة الجماعية للإيزيدين, ومجزرة آلبو نمر, وقائمة الجرائم طويلة.

 ولعل واحدة من أساليب الحرب النفسية التي اعتمدها الإرهابيون هي عبارة سقوط الموصل, وهذه العبارة كان لها وقعها على العراقيين, لما تعنيه من سيطرة مجموعة إرهابية على المدينة الثانية في العراق بعد بغداد من حيث عدد السكان .

    كانت أحداث حزيران 2014م تمثيلاً للعبة سياسية بمنتهى القذارة, راح ضحيتها مئات الآلاف , إن لم يكن الملايين من العراقيين بين شهيد, وجريح, ومُهجر, ونازح.

وما يمكن الإشارة إليه في هذه السطور, إنه إلى الآن لا يوجد اعتراف اجتماعي حقيقي للمسؤولين عن الذي حصل في العراق, لا من البعثيين الذين أجرموا بحق العراق طوال خمس وثلاثين سنة من 1968- 2003م, ولا من الحواضن الاجتماعية التي احتوت التكفيريين بعد 2003م, ولا من السياسيين الذين أنتجت سياساتهم الخاطئة سلوكاً عنيفاً وتفكيراً متطرفاً .

    ومن الواجب القول إن جرائم حزب البعث المقبور يمكن وصفها بأنها بين الحاكم الطاغية والشعب, أي هناك تحديد للظالم والمظلوم, أما أحداث حزيران 2014م, فهنا الصورة مختلفة ؛ لأن الظالم والمظلوم من الشعب نفسه, وهذه هي الظاهرة الشائعة عن تلك الاحداث, لذا ما ينبغي أن يكون هو استذكارها اجتماعيا يشارك به جميع الشعب العراقي, وليس جماعة دون سواها .

   وهنا بالإمكان أن نطرح أسئلة, لماذا نستذكر تلك الأحداث؟ هل من أجل استعادة المآسي التي لم تغادرنا؟ بالتأكيد كلا, فعلى وفق رأي علماء النفس أن الاستذكار وسيلة للتخلص من الكبت, فإذا لم نستذكر ما جرى, سنعيش النفاق والكذب على أنفسنا أولاً, بأننا تجاوزنا ما حدث, بمعنى آخر علينا أن نستذكر الحدث لتضميد جراحه.

 نعم استطاع العراق تجنب سيناريو انهيار الدولة بشكل كامل بجهود مباركة من المرجعية العليا في النجف الأشرف وتدخلها بإصدار الفتوى المباركة التي لم تختص بطائفة دون سواها إنما دعت المواطنين العراقيين جميعاً للدفاع عن وطنهم, فضلاً عن تضحيات الشهداء التي حررت الأرض ودحرت الإرهاب .

   في الاستذكار, ينبغي أن نسأل كم من الأشخاص قد انكسروا من هول ما حدث؟ وهل حصل اعتراف أخلاقي -على الأقل- بخطأ من ساعد كيان داعش الإرهابي, سواء بالفعل أو الكلمة؟ مع التأكيد أن الاستذكار من أجل منع الانتقام والبحث عن الوسائل التي تمنع تكرار ما جرى, فأبسط الأمور التي يمكن تقديمها في الذكرى الثامنة لأحداث حزيران, هي التضامن -من خلال الاستذكار على أقل تقدير- مع من عانى من ويلات تلك الأحداث, وهنا لا يشمل التضامن مع من يشترك بالهويات الفرعية بل الأمر يشمل الهوية الإنسانية, إذ ينبغي التضامن مع كل من عانى من جرائم داعش من أتباع ديانات وطوائف وقوميات مختلفة .