ataba_head

العنفُ السياسي وإرهاب السلطة (1)

العنف السياسي وإرهاب السلطة

(1)

محمد جاسم الخزاعي

العتبة العلوية المقدسة

 

تعدُّ ظاهرة العنف من الظواهر التي شغلت الأوساط , وعلى الرغم من عدم اقتصارها على الحركات الدينية , إلا أنَّ كثيرا ما نجد ممن يحاول ربطها بالحركات الدينية فقط , غير أنَّ سلوكيات العنف لا يمكن أن ترتبط بالحركات الدينية فقط , بل أن العنف قد يمارس بدوافع سياسية أو اجتماعية أو غيرها, والحديث هنا حول العنف السياسي الناتج من ممارسة السلطة له بدوافع سياسية أو طائفية أو اجتماعية أو عرقية .

 

فممارسة العنف لم تكن مقتصرةعلى الأفراد أو الجماعات فقط ,  بل أصبحت أكثر السلطات تمارسه ضد شعبها أو ضد شعوب الأمم الأخرى ، إذ بدأت الأمم تسعى لهيمنتها على بعض الأمم الأخرى، وخاضت من أجل ذلك حروباً مدمرةً ، ولا نتبعدُ كثيراً في الإشارة إلى الحرب العالمية الثانية التي استخدمت فيها الدول الأسلحةَ النووية في العنف ، إذ مثّل استخدام الولايات المتحدة الأميركية القنبلة الذرية ضد اليابان سنة 1945م، إعلانا أميركيا بالعزم على التحكم في المستقبل الاستراتيجي، والسياسي، والعسكري، لعالم ما بعد الحرب العالمية الثانية، واتُهمت أميركا بأنها تصوغ تاريخا جديدا لـ”إرهاب السلطة ”  ، فالإرهابُ لا يقتصرُ على الأفراد فقط ، بل أنَّ حكومات ودولاً وأمماً قد تمارسه ضدَّ شعوبها أو شعوب الأُمم الأخرى.

 

وبذلك يجد المتتبعُ أنَّ هناك صلةً وثيقةً بين الإرهاب والعنف السياسي ؛ إذ أنَّ الإرهاب يمكن عدّه كذلك استخدام متعمد للعنف أو التهديد باستخدام العنف من قبل المؤسسات التابعة للدولة ضد أبناء شعبها أو العنف الممارس من قبل بعض الدول أو من قبل جماعات تشجعها وتساندها دول معينة لتحقيق أهداف استراتيجية وسياسية وذلك من خلال أفعال خارجة عن القانون ، تستهدف خلق حالة من الذعر الشامل في المجتمع غير مقتصرة على ضحايا مدنيين أو عسكريين ممن يتم مهاجمتهم أو تهديدهم، من الممكن أن يكون عبارة عن  فعل عنيف يمارسه فرد ضد فئات أو أفراد آخرين.

 

ومن هنا نعرفُ أن السلطة التي تتخذ العنف أسلوباً في بسط نفوذها تمارس نوعاً من الإرهاب بقصد خلق حالة من الرعب، والتهديد العام، الموجّه ضد مواطنيها، على أساس التمييز السياسي، أو الاجتماعي، أو العرقي، أو الديني، أو الثقافي.

وها ما ترفضه القوانين الإنسانية والمؤسسات الدولية , إذ أنَّ المنظمات الدولية والقرارات الصادرة منها أكدت ضرورة منع العنف الممارس من السلطة الحاكمة ضد أبناء شعبها ، فضلا عن تأكيدها أهمية حماية الفرد والجماعات من العنف الممارس بحقّهم.

 

ويلاحظ أن العراق قد عانى من النوعين، إرهاب الأفراد الناتج من الفكر المتطرّف، ومن إرهاب السلطة الحاكمة والذي مارسه حزب البعث الصدامي إبّان هيمنته على الحكم، إذ مثّل وقتها صورة للعنف والإرهاب، لما قام به من اضطهاد على أُسس دينية وعرقية للشعب العراقي، ففي الوقت الذي يجب على السلطة الحاكمة أن تحمي أبناءها أصبحت تمارس العنف والإرهاب في بسط هيمنتها ونفوذها بالحديد والنار، وراح نتيجة هذا التعنت والممارسة غير الإنسانية ملايين الضحايا على مدى السنوات التي سيطر فيها حزب البعث على مقاليد السلطة.

 

يتبع….