ataba_head

التطرّفُ العنيفُ دراسة في الأسباب والنتائج الحلقة الأولى: الأسباب الاقتصادية

التطرُّف العنيف دراسة في الأسباب والنتائج

الحلقة الأولى: الأسباب الاقتصادية

د. عباس القريشي

 

 

غالبا ما ترتفعُ الأصواتُ عند قوع أحداث التطرُّف العنيف، التي تحاولُ أن تجعلَ الدين السبب الوحيد له، حتى بلغ أمر بعضهم أن يتبنى قولاً بعيداً عن الحقيقة وهو القول بمتلازمة العنف والدين أو الإرهاب والدين، وسيعرض هذا المقال إلى بيان حقيقة التطرُّف العنيف ونشأته وهل أنَّ سببه الوحيد هو الدين ونصوصه؟ أو هناك مجموعة من الأسباب والبواعث التي قد يكون بعضها اقتصادية أو سياسية أو نفسية أو اجتماعية أو تربوية أو غير ذلك؟

وبنظرة متوازنة يتيقن المرءُ أنَّ التطرُّفَ العنيف ظاهرة مركبة معقدة له أسباب متداخلة ومتشابكة، وهذا يقتضي دراستها كلها، وعدم الاقتصار على جانب محدد منها، والنظر في العلوم التي بحثت عنه ، مثل: علم النفس، والفقه، والاجتماع، والسياسة، والقانون وحقوق الإنسان، والتفسير، يؤكد ما نقوله، وبناءً على ما تقدم ستكون  لنا سلسلة مقالات في تلك الأسباب وأولها السبب الاقتصادي.

فنقول: لا ريب إن انتشار الفقر، وتدهور الوضع الاقتصادي في المجتمعات سبب في تهيئة الأرضية إلى سلوك الإنسان التطرُّف العنيف؛ لأنَّ انتشار البطالة بسبب سوء الوضع الاقتصادي له أثر واضح في انتشار ثقافة العنف في مختلف مفاصل المجتمع بدءًا من الحياة الأُسرية، وارتقاءً إلى المجتمعات الدولية.

إذن تدهور الوضع الاقتصادي هو ما يجعل الإنسان يلتجئ إلى العنف، والانضمام إلى المنظمات والجماعات الإرهابية، فالعلاقة عكسية فيما لو كان الوضع الاقتصادي جيداً، بمعنى أنَّ العنف سيكون بشكل أقل أو محدود مع تحسن الوضع الاقتصادي لدى الأفراد؛ فمتى تحسن الوضع الاقتصادي وأصبح جيدا كان عاملاً مهماً في سد حاجة الإنسان الاقتصادية ، وبه يكون في مأمن من اللجوء إلى المتطرّفين والإرهابيين، زيادة على ذلك حصول الاستقرار النفسي والطمأنينة لدى الإنسان لما لهما من أثر كبير في الحدّ من العنف والعدوانية.

وقد جانب الصواب في الجملة  من يرى أنَّ تدهور الوضع الاقتصادي لا علاقة له بعنف الإنسان ،وإن قدّم دليلاً مُدَّعاه وجود أشخاص  ممن مارسوا العنف في المجتمعات أو ممن انضموا إلى الجماعات الإرهابية  يحظون بوضع اقتصادي جيد ومستوى مالي ممتاز، كما هو حال مجموعة من قيادات الإرهاب الذين يعدّون من أثرياء العالم قبل انضمامهم إلى تلك الجماعات الإرهابية مثل: أُسامة بن لادن(1) وأيمن الظواهري(2) وغيرهما، مبررا صاحب هذا القول إنَّ دعوى سببية الفقر والعامل الاقتصادي في العنف والإرهاب هو زعم من أجل التعمية عن العامل الحقيقي وراء العنف وهو الدين والدعوة الجهادية، أو التجنيد المخابراتي والصراع الدولي، بل إنَّ العلاقة بين العامل الاقتصادي والعنف هي علاقة تكافلية، بمعنى: كلما كان هناك عنف وتطرّف وإرهاب كان هناك تدهور في الوضع الاقتصادي، وانتشار للفقر والحرمان.

والذي تطمئن له العقول : بأنَّ العامل الاقتصادي يمكن أن يوظفه الآخرون في تأجيج العنف في المجتمعات، ويكون عامل جذب واستقطاب للمحتاجين والمعوزين، ودعم الحركات الإرهابية وتمويلها من أجل تحقيق أهداف ومكاسب سياسية ونحوها؛ فالفقر والاحتياج يجعلان الإنسان بوضع يسهل معه استقطابه إلى العنف وممارسته لا سيما إذا اقترن بشعور الإقصاء المتعمد والنبذ والتهميش، ويمكنه أيضاً أن يكون سبباً في منع المحتاجين والمعوزين من اللجوء إلى ممارسة العنف والانتماء إلى الحركات الإرهابية، إذا توفرت لهم مقومات العيش الكريم، ووجد عناية خاصة من دولته به فيكون قد غُرس فيه حُب موطنه، ولا حاجة لأن ينتمي إلى الفكر المتطرّف والعنيف.

__________________________________________________________________________

(1) – أسامة بن لادن 10 مارس 1957 – 2 مايو 2011 م: مواطن سعودي سحبت الجنسية منه في 1994، وهو من أُسرة بن لادن ذات الأصول اليمنية الحضرمية ووالده هو الملياردير محمد بن عوض بن لادن. وكان ترتيب أسامة بين إخوانه وأخواته هو 17 من أصل 52 أخاً وأختاً. ودرس في جامعة الملك عبد العزيز في جدة وتخرج بشهادة بكالوريوس في الاقتصاد ليتولى إدارة أعمال شركة بن لادن. ولقد قُدرت ثروة أُسرته بسبعة مليارات دولار. ينظر: ابن لادن والزرقاوي الحقيقة الغائبة

(2) – أيمن محمد ربيع الظواهري: 19 يونيو 1951م : طبيب جراحة عامة وهو ابن الأستاذ الدكتور محمد الشافعي الظواهري من أشهر الأطباء المصرين للأمراض الجلدية، وجده من والده الشيخ محمد الأحمدي  أحد شيوخ الأزهر، وهو شيخ الينظرواهرية، وهي فخذ من قبيلة النفيعات التي تنتسب إلى نافع بن ثوران بن عوف بن ثعلبة من طيء. أما جده من والدته فهو عبد الوهاب عزام من رجال الأدب بمصر في مرحلة ما قبل ثورة 1952، وعم أمه هو عبد الرحمن عزام أول أمين عام للجامعة العربية تولى قيادة تنظيم القاعدة في أعقاب مقتل بن لادن على يد قوات أمريكية في الثاني من مايو/ أيار 2011.،ينظر: https://www.munzinger.de/search/go/document.jsp?id=0000002394