ataba_head

الفضاء السيبراني وأقنعة التطرف

الفضاء السيبراني وأقنعة التطرف

الأستاذ المساعد الدكتور رائد عبيس

جامعة الكوفة

 

قد يلجأ كثيرٌ منا إلى إخفاء نزعته المتطرفة من قول أو فعل، اتجاه قضية أو مجال معين من مجالات وأشياء الحياة، بسبب خوفه من رقابة المجتمع أوالقانون أو السياسة.

إلا إنَّ الفضاءَ السيبراني، قد وفّر لنا أقنعة جديدة، اختلفت كثيراً عن ما هو تقليدي من أقنعة ذاتية، أو خارجية كاللثام، أو النقاب.

 أخذ البشر يمارسون بها نزعاتهم المكبتة، وبفاعليات مختلفة، للكشف عن ما في النفس من جنوح صوب تطرف معين ,  فنجد حركة اللجوء إلى العوالم السيبرانية، وتحت أقنعة متنكرة تزداد يوما بعد يوم بين أوساط المجتمعات ؛لا سيما المجتمعات المغلقة، والمحافظة، وهنا نكتشف ازدواجية الأخلاق، وتناقض القيم , عبر استخدامات سبرانية مختلفة، وفي عوالمها التي تسمى افتراضية مجازاً ؛ لأنَّها تعبر بالحقيقة عن واقع تلك المجتمعات التي نقلت نزعاتها من واقعها المحلي إلى ما هو أوسع منه, ومن غرف نومها، إلى غرف العوالم السيبرانية، المرصدة من قبل شركتها وحركاتها المتعددة.

أصبحت سيبرانية القيم، تدخل في كل مجال ونشاط يقوم به البشر، وهو مجال سرعان ما يظهر تطرفنا به، مثل : القرصنة، والاعطاب، والتجسس، والاختراق الفضولي، والمبالغة في التنافس في المقدرة الإلكترونية، وسرقة المعلومات، وتنفيذ الاغتيالات، والتنصت عن بعد، وكشف الحسابات المالية ، وسرقة الحسابات الشخصية، وإرسال الفيروسات، واتلاف البرامج وخواصها، والتحكم بالتجارة، والابتزاز، وغيرها كثير من الاستخدامات التي توضح قدرة البشر على توظيف التطرف في كل مجال يكون فيه وإلحاق الأذى بالآخرين.

بما أن الفضاءات السيبرانية أصبحت متاحة بيد الأفراد، ووفرت لهم كواليس خاصة، وأقنعة متنوعة، مكنتهم حينها من تفريغ شحناتهم السالبة، ومصارحة ذاتهم، وممارسة ما تميل له نفسهم، بعيدا عن رقابة الآخرين، والخوف منهم، فاتاحت هذه الفسحة من الحرية المتوارية، التعبير عن أفكارهم، ورغباتهم، وقناعاتهم، لذلك نجد كثير منهم يظهر سلوكه وافكاره بأسماء وهمية تارة، وبالنيابة تارة أخرى.

وقد لجأت الحركات المتطرفة إلى استغلال الفضاء السيبراني، لتجنيد، وتنظيم، وكسب، واقناع الشباب، والنساء، والرجال، بافكارهم تلك. وتنفيذ العمليات بهم، سواء على أرض الواقع، أو باستخدام الأسلحة السيبرانية، فقد كانت العوالم السيبرانية وما زالت، مثار قلق بسبب حجم ظاهرة التطرف المتنامية في العالم، وعلى كافة الصعد، جراء ما وفرته السيبرانية من خصوصيات وحريات فردية متوارية خلف أقنعة، وبعيدا عن رقابة الآخرين , وما وفرته من اختصار المسافات بين أبناء البشر الذي ساعد على انتشار الايديولوجات، وتناقل الأفكار، وتبنيها بشكل مباشر وغير مباشر.

 وهذا ما يزيد الأمر خطورة، لأن ممارسة التطرف من على لوحة مفاتيح، يعادل بالحجم والأثر، ممارسته وعنفه على أرض الواقع، ولعل الأول كان مقدمة منطقية للثاني، والعكس صحيح.

فبناء الضمير، ومكاشفة الذات، والخروج من الازدواجية، ومغادرة التناقض، والتربية على احترام حدود الآخرين، وفرض القانون على كل الممارسات المتطرفة الواقعية والسيبرانية،كلها وسائل لانتزاع كل الأقنعة من كل الوجوه، لتكون الحقيقة بائنة بدون احتكار أو ادخار.