ataba_head

داعش صناعة سجون قوات الاحتلال (بوكا انموذجا)

داعش صناعة سجون قوات الاحتلال (بوكا انموذجا)

الدكتور العقيد ثائر غالب الناشي / وزارة الدفاع

 

 

يقعُ سجن بوكا قرب مدينة أم قصر في محافظة البصرة على بعد عشرات الكيلومترات من الحدود العراقية الكويتية, تمَّ تشييده من قبل قوات الاحتلال الأمريكية عام 2003 ليكون المعتقل الخاص لأفراد التنظيمات المتطرفة المقاومة لوجود قواتهم في العراق ؛ ولاسيما من المدن التي كانت تشكل حواضن للتطرف والإرهاب, ليكون البيئة الخصبة للتنظيم والإعداد للمتطرفين والمتشددين ,وذلك بواسطة تنظيم اجتماعاتهم والتنظير لأفكارهم التكفيرية بعدما كانوا عاجزين عن فعل ذلك وهم خارج السجن, إذ أصبح البيئة الأمثل للتخطيط والتفكير بتشكيل الجماعات الجهاديّة، وفق ما جاء في العديد من المصادر الموثوقة ومنها تقرير لمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى في 13 سبتمبر 2019.

 

وبناءً على تقرير نشرته صحيفة العرب اللندنية في 10 نيسان 2019 إشارة إلى أن سجن بوكا قد أنتج أشرسَ متشددي العالم وهم الدواعش وكان هذا السجن يسمى قبل ظهور تنظيم بـ(مدرسة تنظيم القاعدة)، وقدّم فيه أفراد من التنظيمات الإرهابية دروسًا حول المتفجرات وتقنيات التفجير الانتحاري للسجناء الآخرين لكون أغلب المعتقلين لم يتجاوزوا 20 عاما وتمكنوا من تجنيد أعداد من السجناء الذين اختاروا في ما بعد الانضمام إلى تنظيم داعش الإرهابي, وبحسب بعض المصادر كان يؤوي أكثر من 20 ألف معتقل إذ عرف بـ(جامعة الجهاد).

 

ومن الجدير بالذكر أن  صحيفة “نيويورك تايمز”، نشرت تقريراً بعنوان كيف ساعدت الولايات المتحدة داعش في العراق وسوريا، أشار إلى أنّ مقاتلي هذا التنظيم الذين ظهروا في العراق وسورية لا يشكلون قوة جديدة بعد أن أمضى أغلبهم سنوات في مراكز الاحتجاز التي أدارتها الولايات المتحدة وشركاؤها في العراق بعد عام 2003, وأشار التقرير إلى أن معظم كبار قادة  تنظيم داعش الإرهابي من السجناء السابقين.

 

وفى جانب آخر نجحت القوات الأمريكية في سجن بوكا من تجنيد عدد من المعتقلين المتعاونين فدربتهم عسكريا ومخابراتيا فكانوا نواة إنشاء تنظيم داعش الإرهابي فيما بعد بهدف القضاء على تنظيم القاعدة بقيادة أبو مصعب الزرقاوي والذي أدت عملياته إلى مقتل عدد من جنودهم.

 

لكونه كان يضمُّ أغلب القيادات الإرهابية في هذا التنظيم التي خرجت من السجن  بعد اعتقالهم بمدد زمنية متباينة ومنهم زعيم ذلك التنظيم أبو بكر البغدادي ( إبراهيم عواد إبراهيم البدري ) بعد أن اعتقلته القوات الأمريكية في شباط عام 2004م في مدينة الفلوجة, وهو من مواليد مدينة سامراء عام 1971، حصل على شهادة البكالوريوس في الدراسات الإسلامية من جامعة بغداد عام 1996، ثم الماجستير والدكتوراه في الدراسات القرآنية، وبقي في سجن بوكا لمدة زمنية ثم أطلق سراحه من قبل القوات الأمريكية بعد تبرئته من تهم الإرهاب, ومن ضمن المعتقلين الآخرين عبد الله قرداش وأبو محمد الجولاني من مواليد درعا عام 1981 وأبو مسلم التركماني وآخرين…

 

وذكر العديد ممن تم إطلاق سراحهم من سجون بوكا، ومعسكر كروبر بالقرب من مطار بغداد، وكذلك سجن أبو غريب في العاصمة بغداد, وعدد من المسؤولين الأمريكيين البارزين الذين قادوا عمليات الاعتقال، بتأثير السجون السلبي في خلق جيل من الإرهابيين, وقد اقتنع المسؤولون الأمريكيون البارزون بأنهم باتوا عناصر تشجع على التطرف، وبأنهم تصرفوا بطريقة تؤتي نتائج عكسية، كما تشير بعض المصادر إلى أن 17 من الـ25 قائدا الأهم من قادة تنظيم داعش أمضوا مدة في السجون الأمريكية  في العراق بين عامي 2004 و2011.

 

إذ أصبحت السجون الأمريكية بالعراق بمثابة البداية في تاريخ داعش – حيث التقى الكثير من قيادات الجماعة، ببعضهم بعضا في سجن بوكا الذى شكل فترة مهمة في مشوار تطور داعش وبلوغها ما هي عليه الآن.

وقد نشرت صحیفة الغارديان البريطانية تقريراً عن سجن بوکا في العراق أشارت فیه إلى (أن سجن بوكا ضمَّ معظم قيادات القاعدة وجماعة داعش، حيث كان نقطة انطلاق لهذه الجماعات الإرهابية, مبينة أن الأمريكان كانوا يكنون الاحترام لزعيم داعش أبوبكر البغدادي خلال فترة تواجده في هذا السجن).

 وذكرت الصحيفة أنه “في صيف عام 2004 كان أحد المتطرفين الشباب، وهو من قياديي تنظيم “داعش”، ويصف سجن بوكا في تلك الفترة بأنه (كان بيئة مثالية وصنعنا كلنا وبنى أيديولوجيتنا), ويقول (كنت خائفاً من سجن بوكا طوال الطريق بالطائرة، لكنني حينما وصلت كان السجن يبدو أفضل بكثير مما تصورت)، ويوضح: (عرفت البعض من السجناء على الفور، بينما السجناء الآخرون لم يستغرقوا وقتاً طويلاً في تطميني، وسرعان ما أدركت أن السجن الذي تديره الولايات المتحدة كان فرصة ثمينة بالنسبة لي مع بقية السجناء الذين تم تجميعهم في مكان واحد من كافة أنحاء العراق), ويشدد بالقول (كان سجن بوكا مصنعاً، فقد صنعنا كلنا وبنى أيديولوجيتنا).

و في شهر تشرين الأول من عام 2009  تمَّ الاتفاق على إغلاق سجن بوكا وتحويل أغلب نزلائه إلى معتقلات بغداد والتاجي، فيما تم الإبقاء على من أدين من هؤلاء النزلاء بتهم الإرهاب في سجن البصرة المركزي بميناء المعقل ؛ لأنَّ القضاء  قرّرَ التحفظ عليهم وتجاهل الأحكام الأميركية السابقة الصادرة بحقهم ومحاكمتهم وفق قانون العقوبات العراقي، بعدما رفعت ضدهم دعاوى تتهمهم بالقتل والاعتداء وارتكاب جرائم إرهابية مختلفة خلال فترة سيطرة القاعدة والجماعات المسلحة على عدد من المدن العراقية.

ومن الجدير بالذكر أن المعتقلين من أفراد التنظيمات الإرهابية لم يكن يصرح بأسمائهم الحقيقية في سجون قوات الاحتلال الأمريكية وإنَّما كان لكل فرد معتقل رقم ينادى به, وكان هذا عامل مهم في عدم كشف الهوية الحقيقية لمن استمر في العمل في التنظيمات الإرهابية بعد اطلاق سراحه, مما شكل صعوبة في التعرف على الهوية الحقيقية لأفراد أي مجموعة تقوم بتنفيذ عمل إرهابي بعد اعتقال أحد أفراد هذه المجموعة وكانت بعض نتائج التحقيق تتوقف ولا يتمكن المحققين من كشف الحقائق كاملة.