المرأة في منظور الفكر المتطرف
أ.د. حسين الزيادي
يعدُّ موضوعُ المرأة من المواضيع الجدلية الشائكة التي غالباً ما يتهم فيها الفقه السياسي الإسلامي ظلماً وعدواناً ؛لأنَّ هناك من شوّه الإسلام باسم الإسلام، وربط بين العنف والإسلام، ونصّب نفسه ممثلاً عن المسلمين، لذلك وضع الإسلامُ في قفص الاتهام ، وراح بعضهم يجرمه ويسيء إليه بدعوى ظلم المرأة بدون دليل واضح ولا منهج موضوعي، على الرغم من أنَّ الشريعةَ الإسلامية صانت قدر المرأة وأولتها مكانةً خاصة وأوجَبَت رعايتها واحترامها، وجعلتها تتميّزُ بخصائصَ تتناسب وطبيعتها الأنثويّة، وما تمتاز به من عاطفة رقيقة، ومشاعر دافئة تجعلها مؤهلة لقيامها بدور الأمّ والابنة والزوجة، بما يحقق المصلحة العليا لأفراد الأسرة، فقد جعل الله تعالى الإحسان إليها مقرونا بالتوحيد، قال تعالى: (وقضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) ، وخصّص الإسلامُ للمرأةِ ذمة مالية مستقلة وأقرّ لها حقَّ التملك والبيع والشراء وحقوق المهر والنفقة وغيرها كثير، وهذه الخصائص تتفق ومبادئ التنمية البشرية، فلا يمكن أن تكون هناك تنمية اقتصادية أو اجتماعية بمعزل عن التنمية الإنسانية ، فالمرأة من الناحية الديموغرافية تشكل أكثر من نصف السكان، لكنها من الناحية الفعلية تشكل أكثر من ذلك كونها مسؤولة عن تنشئة النصف الثاني، ومن هنا أصبح للمرأة دوراً مؤثراً وجوهريا في إحداث عملية التنمية ، فلا يمكن أن يتطور المجتمع ونصفه متخلف، وقد انتبه الاسلام لهذا الجانب فقدم نمطاً منظماً ومنضبطا للحياة الحرة الكريمة الهادفة إلى إسعاد الإنسان وتحقيق الرفاهية.
جاء الفكر المتطرف ليعيد إلى الأذهان موقع المرأة في الحضارة الأغريقية والرومانية وماكانت تعانيه في الجاهلية، وليكرس الانتقاصية والإقصائية بأبشع صورها، من خلال تلاعبه بالنصوص الدينية واقتصاصها واختيار مايفيده منها ويعزز نظريته ، ومن ثَمَّ إقصاء المرأة والتعامل معها بمهانة وظلم وهمجية وحرمانها من حقها في الحياة، وجعلها سلعة تباع وتشترى، متناسين أن مبدأ المساواة بين الرجال والنساء أصل مقرر بنص القرآن الكريم: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً) .
ولم يكتف الفكر المتطرف بذلك بل وضع قائمة من الحدود والمحرمات التي لا يحق للمرأة تجاوزها وإلا طبق عليها الحد وخضعت لأشد العقوبات قساوة، ومن بين تلك الشروط هي منع حق النساء في التعليم والعمل والتنقل وإبداء الرأي والمشاركة الاقتصادية والتملك والمشاركة السياسية .
لقد خضعت المرأة في ظل الفكر المتطرف إلى جملة من الانتهاكات التي طالت وجودها وفكرها وكيانها المادي والمعنوي، وتتمثل المشكلة في كون المتطرف لا يستطيع أن يستوعب الحضور العام للمرأة داخل الحياة بصفتها فاعل مؤثر، بسبب النظرية الجندرية المتأصلة لديه؛ لأنه أي الفكر المتطرف يؤمن بأن المرأة ناقصة الأهلية؛ وهذا التصور جعل المرأة في المنظور المتطرف سلعة تباع وتشترى في انتهاك واضح لإنسانية الإنسان، وهو ما يكشف مدى دناءة التطرف، على اعتبار أن ما فعلته التنظيمات المتطرفة، ما هو إلا ترجمة لأفكار تدعو إليها أبواق الفكر المتطرف ودعاته في كل مكان.
لقد تجاوز الفكر المتطرف كل الحدود والاعتبارات الإنسانية عندما ترجم أفكاره ووضعها موضع التطبيق من خلال التنظيمات الإرهابية التي تشبعت بالأفكار المريضة والمشوّهه والدخيلة، ويفخر المتطرفون بإحيائهم للعبودية بانهم أعادوا جانباً مهماً من جوانب الشريعة الإسلامية، بل ذهب بعضهم منهم إلى أن توزيع السبايا تم وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية ، والعجب أن يقام سوق خاص بالنخاسة لتحدد أسعار النساء من سن الـ10 وإلى الـ20 من العمر، بـ100 دولار، أما النساء بين الـ20 والـ30 من العمر، فيتمّ بيعهن بحوالي 80 دولاراً، واللواتي تبلغ أعمارهن بين الـ30 والـ40 سنة، فيتمّ بيعهن بحوالي 40 دولاراً، أمّا السيدات اللواتي تجاوزت أعمارهن 40 سنة فيتم بيعهن بـ30 دولاراً، وهذا ما صرح به رئيس الوحدة الإدارية لقضاء سنجار في العراق.
أن موقف الإسلام من المرأة تعرض لكثير من التشويه والتحريف والانتقاص مما أوجد صور مغلوطة، تراكمت ملامحها عبر سنوات طويلة، ويحتاج تصحيحها لعمل جاد وجهد دؤوب من خلال وضع استراتيجية لرد الاعتبار، وتصحيح صورة الإسلام والتصدي لحملات التشويه والتضليل وهو مطلب شرعي وأخلاقي لا يجب التهاون به.
إن بعضَ المؤسسات الدينية المتطرفة تؤكد أن دور المرأة يقتصر على تقديم الرعاية الأسرية والعملية الإنجابية فقط ، وهي بهذا تحجم الدور التنموي للمرأة وتمنع دون استثمار طاقاتها في بناء المجتمع.
والجدير ذكره إن حرمان المرأة من حقوقها واضطهادها وقمعها يوفر أرضية خصبة للتطرف بكل أنواعه وأشكاله، ولأجل هزيمة الفكر المتطرف من المهم عدم السماح بامتهان المرأة تحت أي ذريعة ؛ لأنَّ ذلك يتعارض ومقاصد الشريعة السمحاء، فضلاً عن كونه يمثل تدميرًا ذاتيًا للمجتمعات التي لا يمكنُ أن تصلَ إلى حالة الاعتدال والكمال إلا من خلال استيعاب تنوع عناصرها، دونما أي وصم يقوم على الجنس أو العرق أو النوع، كما أن الفكر الذي لا يستطيع تقبل البُعد الأنثوي في خصوصيته، هو فكر عقيم ومتناقض، ذلك لأن التقابل لا يعني بالضرورة التفاضل، بل هو بالأحرى تكامل وتعايش.