ataba_head

العراقيات حاملات القرابين

العراقيات حاملات القرابين

د. حسنين جابر الحلو

مركز دراسات الكوفة

كتب « اسخيلوس» الإغريقي مسرحية مهمة عنوانها ” حاملات القرابين ” ، وأخذت صدىً واسعاً  في حينها ، قرابة سنة ( ٤٥٨ ق.م.) ،  فاطلعت على قرابينهم في المسرحية ، وقرابيننا في مسرح الحياة ، فوجدت الفارق المحّير .

 

وبعد الاطلاع على وضع القرابين في حياتنا ، ولماذا هذا المد في قرابيننا؟ رجعت إلى  الدراسات ، و التي أكدت  أن أرضَ العراق ، ومنذ القدم ، قدمت قرابين كثيرة  ، وها هي اليوم تعيد الكرة مرة أخرى، فمنذ حرب الثمانينات  فقدنا خيرة الشباب ، ما بين حروب وإعدامات ،  والتهجير خوفًا واقصاءً ، والأمهات يقدمن القرابين ، والعيون محترقة ، للهيب اللقاء ، حتى ” حرب الخليج”  التي غيبت الشباب موتاً وتهجيراً ،  ومن ثَمَّ في  عام ٢٠٠٣م ، كانت الأمور تتغير تدريجياً ، فانجبن العراقيات شباباً كطاقة فاعلة في المجتمع ؛ لأن المجتمع الشاب ، هو مجتمع قوي ، يستطيع أن يغير دفة الحوار من و إلى ،  بينما المجتمع الكهل ، يخسر طاقته الإنتاجية،  وهذا ما فعلته بعض  الدول الأوربية ، وهي تبحث عن أيدي عاملة لتسد نقصها  ، فذهب من ذهب ومن غير عودة ،  وبعدها كانت حرب الفصل ، لإسقاط النظام ، وأيضا فقدنا ما فقدنا ، والأمهات على دوامة الرحيل ، وسلسلة التفجيرات من بعد السقوط إلى الخميس الدامي ، أخذت وحصدت أرواح الشباب من العراقيين ، فأفجعت الأم ، ورُمّلت النساء ، ويُتمت الأطفال ، من غير خطط استخبارية ، توقف المد الهادر من الانتحاريين ، والأم العراقية تُودع التوابيت الى مثواها الأخير ، وكأن أرض العراق لن تستقر إلى بدماء ، ولا ننسى شبابنا في ملحمة الانتصار على داعش ، كيف سطروا أروع القصص ، والأمهات يزفن أبنائهن إلى المعركة ، لتكتمل تسبيحة النجاة ” خذ حتى ترضى ” ، كُل هذه الأمور هي سلسلة الفجيعة ، والمأساة الرفيعة  ، والأجراس تعلن بدء الحصة الأخيرة لطلاب الحقيقة ، وهم يتسارعون إلى المنون  ، لا يهمهم بزرج الحضارة ، بقدر احتياجهم إلى امتداد ،  هذا الامتداد الذي عبرت عليه الأجساد والأرواح على جسر الأئمة  ، لتكمل مسيرتها إلى  الــ « ١٧٠٠»   شهيد ،  والتي لم تكن حادثة عابرة بل كانت معبرة على حجم الاضطهاد الذي وقع على العراقيين ، وأبكى قلوب العراقيات المؤمنات بالقضية ،  وأكيداً ستبقى صرخاتهن تتبع القتلة ولو بعد حين.