ataba_head

انتهاكات حقوق الإنسان في واقعة الطف

انتهاكات حقوق الإنسان في واقعة الطف

الدكتور فاضل الغراوي

 

 

 

لم تكن قضية الحسين(عليه السلام) مجرد ثورة أو حركة تحررية كان يراد بها إسقاط طاغية معين، بل كانت مدرسة تأريخية وإنسانية للوعي والاصلاح.

الحسين(عليه السلام)، كان يؤسس لإعلان إنساني وعالمي لحقوق الإنسان، عندما رفع الحسين الشهيد شعار “هيهات منا الذلة” كان يريد من وراء ذلك أن يحفظ للإنسان كرامته ويحرره من الخوف الذي تجذّر في داخله لسنين، وهذا ما نص عليه صراحة العهدان الدوليان الخاصان بالحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية حيث جاء في الديباجة:

“أن ما جاء من حقوق في هذا العهد كلها تنبثق من كرامة الإنسان الأصيلة فيه وأن السبيل الوحيد لتحقيق ذلك هو أن يكون البشر أحراراً ومتحررين من الخوف والفاقة”.

من جانب آخر كان الحسين (عليه السلام) يؤكد عالمية حركة الاصلاح والنظر لكل إنسان بغض النظر عن جنسه ولونه ، حينما كان يضع خده مرة على خد ابنه علي الأكبر وفي مرة أخرى على خد جون مولى أبي ذر الغفاري ذلك العبد الأسود، وهذا ما أكدته اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري التي نصت بوضوح على:

“أن التمييز بين البشر بسبب العرق أو اللون أو الأصل الأثني يشكل عقبة تعترض العلاقات الودية والسلمية بين الأمم”.

كما أن قيام الحسين (عليه السلام) بإعطاء الدور الإعلامي للسيدة زينب (عليها السلام ) ما هو ألا إشارة صريحة في تأكيد تلك الحركة على إعلاء شأن المرأة وفرض مشاركتها على قدم المساواة مع الرجل في الحدود التي تضمن لها كرامتها، وهذا ذات ما أكدته اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، التي أشارت إلى:

“أن التمييز ضد المرأة يشكل انتهاكاً لمبدأ المساواة في الحقوق ويعد عقبة أمام مشاركة المرأة على قدم المساواة مع الرجل في حياة بلدهما السياسية والاجتماعية و الاقتصادية والثقافية”.

إن أهم انتهاكات حقوق الإنسان في واقعة الطف هي :

1. حق الحياة :

في يوم العاشر من المحرم من سنة 61 هجرية الموافق 10 أكتوبر سنة 680 ميلادية، أمرت حكومة بني أمية جيشها أن يخير الحسين بن علي (عليهما السلام) بين اثنين: إما أن يبايع يزيد بن معاوية وإما أن يقتل هو ومن معه من أهل بيته وأصحابه إلا أنَّ الإمام طلب من جيش بني أمية أن يتركوه بقوله “أيها الناس إذا كرهتموني فدعوني انصرف عنكم إلى مأمن من الأرض” فلما أصروا؛ قال (عليه السلام) : “لا والله لا أعطيهم بيدي إعطاء الذليل ولا أفر فرار العبيد”.

وبدأت المعركة؛ وقتل أصحاب الحسين جميعا وتلاهم بنو هاشم أجمعهم، وبقي الحسين (عليه السلام) وحيداً فجاءت إليه أُخته زينب بنت علي (عليها السلام) قائلة له: خذ رضيعك هذا وأطلب له الماء وجاء الحسين (عليه السلام) بالطفل الرضيع إلى القوم و قال لهم: يا قوم، إذا كنت أقاتلكم و تقاتلونني، فما ذنب هذا الطفل حتى تمنعوا عنه الماء؟!. فخذوه واسقوه بأنفسكم فرموه بسهم وقتلوه على يد أبـيه! ثم ما لبثوا أن قتلوا الحسين ومثّلوا بجسده، وسلبوا ونهبوا رحله، ونكّلوا بعياله، وسحقت الخيل صدره وظهره، ثم احتز رأسه الشريف وحمل على رمح طويل، وسبي ما تبقى من عياله!!

إن القرآن الكريم حرم قتل الإنسان: قال  تعالى: (وَلاَ تَقْتُلُواْ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِى حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلْحَقّ) بل لا يجوز لأحد أن يعتدي عليها: (مَن قَتَلَ نَفۡسَۢا بِغَیۡرِ نَفۡسٍ أَوۡ فَسَادࣲ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ ٱلنَّاسَ جَمِیعا وَمَنۡ أَحۡیَاهَا فَكَأَنَّمَاۤ أَحۡیَا ٱلنَّاسَ جَمِیعا)، ولا تسلب هذه القدسية إلا بسلطان الشريعة وبالإجراءات التي تقرها ، ليس هذا فحسب بل ضمن الإسلام الاحترام للإنسان بعد موته فضلا عن حياته.

ومن هذا يتبين أنَّ الجرائم والصور الوحشية التي ارتكبت ضد الإمام الحسين (عليه السلام) في واقعة الطف تمثل انتهاكاً صارخاً لحقّ الحياة وتتوفر فيها أركان جريمة الإبادة الجماعية وأركان الجرائم ضد الإنسانية ، كما تعد مخالفة وانتهاكاً صارخاً للمادة (3) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان “لكل فرد حق في الحياة والحرية وفى الأمان على شخصه” ، والمادة (6) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية “الحق في الحياة حق ملازم لكل إنسان، وعلى القانون أن يحمي هذا الحق، ولا يجوز حرمان أحد من حياته تعسفا”. والمادة (15) من الدستور العراقي “لكل فردٍ الحق في الحياة والأمن والحرية، ولا يجوز الحرمان من هذه الحقوق أو تقييدها إلا وفقاً للقانون، وبناءً على قرارٍ صادرٍ من جهةٍ قضائيةٍ مختصة”.

  1. انتهاك الحق في الحرية والأمان الشخصي:

إن تصرف السلطة الأموية مع الحسين(عليه السلام) وأهل بيته يعد انتهاكا للحرية الشخصية المصانة في القانون الإسلامي، والمقصود بها أن يكون الإنسانُ قادراً على التصرف في شؤون نفسه، وفي كل ما يتعلق بذاته، آمناً من الاعتداء عليه، في نفسه وعرضه وماله، حيث عنى الإسلام بتقرير كرامة الإنسان، وعلو منزلته، فأوصى باحترامه وعدم امتهانه واحتقاره، قال  تعالى: (ولقد كرمنا بني آدم) ونص على ضمان سلامة الفرد وأمنه في نفسه وعرضه وماله، فلا

يجوز التعرض له بقتل أو جرح، أو أي شكل من أشكال الاعتداء، سواء كان على البدن كالضرب والسجن ونحوه، أو على النفس والضمير كالسب أو الشتم و الازدراء والانتقاص وسوء الظن و نحوه، مضافا إلى أن يكون الإنسان حراً في السفر والتنقل داخل بلده وخارجه دون عوائق تمنعه.

ففي الكتاب قوله  تعالى: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ ۖ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ).

وإن هذه الجرائم تعد انتهاكا صارخا للحق في الحرية والأمان الشخصي وقد عززت مواثيق حقوق الإنسان الحديثة هذا المعنى حيث نصت المادة الثالثة من الإعلان على أنه: “لكل فرد حق في الحياة والحرية وفى الأمان على شخصه”، ولا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطة بالكرامة” ، والمادة (9/1) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ” لكل فرد حق في الحرية وفى الأمان على شخصه، ولا يجوز توقيف أحد أو اعتقاله تعسفا، ولا يجوز حرمان أحد من حريته إلا لأسباب ينص عليها القانون وطبقا للإجراء المقرر فيه”، والمادة (10/1) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية “يعامل جميع المحرومين من حريتهم معاملة إنسانية، تحترم الكرامة الأصيلة في الشخص الإنساني”.

3. الحق في السلامة الجسدية:

هنالك العديد من الانتهاكات المتعلقة بحق السلامة الجسدية والمعنوية مارستها السلطة الأموية بحق الحسين (عليه السلام) وأهل بيته بدءا بقطع رأسه الشريف وقطع خنصره وقطع كفي أبي الفضل العباس ورؤوس أهل بيته وأصحابه والتمثيل بالجثث ، والحط من الكرامة الإنسانية والتعذيب الذي مورس بحق أهل بيته في رحلتهم إلى الشام على الرغم من أغلبهم من النساء والأطفال ومن المدنيين إلا أن ذلك لم يمنع السلطة الأموية وجيشها من ممارسة أقسى حالات التعذيب الجسدي والنفسي ضدهم.

إنَّ الانتهاكات التي قامت بها السلطة الأموية والماسة بالسلامة الجسدية للإمام الحسين (عليه السلام) وأهل بيته تعد وفق المادة (8) من النظام الأســـــــــاسي للمحكمة الجنائية الدولية لروما جريمة حرب ، التي عددت صورها وبينت أركانها، ذلك أن الحق في سلامة الكيان الجسدي لضحايـــا العمليات العسكريــــة (المدنيين والعسكريين) مكفول ومحمي للجميع ، وأن كل اعتداء عليه يشكل جريمة حرب تستوجب عقاب مرتكبيها وفقا لنظام العقوبات الذي أقرته نصوص وقواعد نظام محكمة روما الأساسي، كما أشارت إلى هذه الانتهاكات الجسيمة المادة (5) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان “لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطة بالكرامة”، وكذلك المادة (7) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية: “لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطة بالكرامة، وعلى وجه الخصوص …”. وكذلك المادة (37) من الدستور العراقي أولاً / ج “يحرم جميع أنواع التعذيب النفسي والجسدي والمعاملة غير الإنسانية، ولا عبرة بأي اعتراف انتزع بالإكراه أو التهديد أو التعذيب، وللمتضرر المطالبة بالتعويض عن الضرر المادي والمعنوي الذي أصابه وفقاً للقانون”.

4. حق المرأة :

مارست السلطة الأموية ضد النساء في واقعة الطف أبشع الجرائم عندما قامت بترويعهم وقتل أزواجهم وإخوانهم أبنائهم ، والتمثيل بجثثهم أمامهم وتصور التداعيات النفسية التي خلفتها هذه الجرائم بهم والتي استمرت فترات طويلة لحين مماتهم ، والخوف والهلع الذي لحق بهن عندما تم رمي المخيم بالسهام وحرقه على رؤوسهن مع أطفالهن ، وأسرهن ، وتقيدهن بالحبال والسلاسل وضربهن بالسياط وتعذيبهن والحط من كرامتهن الإنسانية ،وإجبارهن على المسير للشام على أقدامهن وعرضهن على العوام للتشهير بهن.

إن الرسول الأعظم محمد (صلى الله عليه وآله) في حروبه جميعا ضد المشركين وضع ضوابط لخوض الحرب وأكد حماية النساء حتى المقاتلات منهن .

إن الانتهاكات التي ارتكبتها السلطة الأموية وجيشها ضد نساء الإمام الحسين (عليه السلام) وأهل بيته الأطهار وأصحابه تعد مخالفة وانتهاكا جسيما لاتفاقية جنيف الأولى المادة /12 “وتعامل النساء بكل الاعتبار الخاص الواجب إزاء جنسهن”، واتفاقية جنيف الثالثة المادة /14 ” لأسرى الحرب حق في احترام أشخاصهم وشرفهم في جميع الأحوال ، ويجب أن تعامل النساء الأسيرات بكل الاعتبار الواجب لجنسهن، ويجب علي أي حال أن يلقين معاملة لا تقل ملاءمة عن المعاملة التي يلقاها الرجال”، واتفاقية جنيف الرابعة 1949 المادة 14 ” يجوز للأطراف السامية المتعاقدة في وقت السلم، ولأطراف النزاع بعد نشوب الأعمال العدائية أن تنشئ في أراضيها، أو في الأراضي المحتلة إذا دعت الحاجة، مناطق ومواقع استشفاء وأمان منظمة بكيفية تسمح بحماية الجرحى والمرضى والعجزة والمسنين والأطفال دون الخامسة عشرة من العمر، والحوامل وأمهات الأطفال دون السابعة” ، والمادة /27 “للأشخاص المحميين في جميع الأحوال حق الاحترام لأشخاصهم وشرفهم وحقوقهم العائلية وعقائدهم الدينية وعاداتهم وتقاليدهم. ويجب معاملتهم في جميع الأوقات معاملة إنسانية، وحمايتهم بشكل خاص ضد جميع أعمال العنف أو التهديد، وضد السباب وفضول الجماهير”. والاعلان المتعلق بحماية النساء والأطفال أثناء حالات الطوارئ والنزاعات المسلحة الصادر من الأمم المتحدة عام 1974 .

5. حق الطفل:

مارست السلطة الأموية وجيشها ضد أطفال الإمام الحسين (عليه السلام) وأهل بيته وأصحابه أبشع الجرائم عندما قاموا بقطع الماء عنهم على الرغم من عطشهم وعلى الرغم من مطالبة الإمام الحسين لهم بالماء إلا أن الأعداء لم يستجيبوا لذلك ؛ بل قاموا بقطع كفي الإمام العباس وقتله عندما أراد جلب الماء للأطفال وأصابوا القربة بسهم ؛ بل ارتكبوا أفظع جريمة وحشية بتاريخ الإنسانية عندما اغتالوا الطفل الرضيع وهو بيد الإمام الحسين (عليه السلام) بسهم رماه حرملة وكان يعلم وقادته أنه طفل رضيع ، كما ارتكبوا جريمة عندما قتلوا القاسم بن الإمام الحسن (عليه السلام) وهو كان صبيا وقطعوه بالسيوف ، وروعوا كافة الأطفال عندما رموا المخيم بالسهام واحرقوه على رؤسهم ، وقتلوا و مثلوا بجثث آبائهم أمام أعينهم ، وساقوهم بالسياط إلى الشام وهم مقيدين في رحلة طويلة على أقدامهم .

إن هذه الانتهاكات البشعة التي ارتكبتها السلطة الأموية وجيشها بحق اطفال الإمام الحسين وأهل بيته وأصحابه تخالف تعليمات الرسول الأعظم محمد (صلى الله عليه وآله) عندما وجه جيش المسلمين في معركة بدر بالحفاظ على أطفال المشركين وعدم ترويعهم ومنع قتلهم وتقديم المأكل والشراب لهم ، كما تخالف هذه الجرائم اتفاقية حقوق الطفل عام 1989، والبروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل بشأن اشتراك الأطفال في النزاعات المسلحة عام2000 ، واتفاقية جنيف الرابعة المادة 24 ” على أطراف النزاع أن تتخذ التدابير الضرورية لضمان عدم إهمال الأطفال دون الخامسة عشرة من العمر الذين تيتموا أو افترقوا عن عائلاتهم بسبب الحرب، وتيسير إعالتهم وممارسة دينهم وتعليمهم في جميع الأحوال، ويعهد بأمر تعليمهم إذا أمكن إلى أشخاص ينتمون إلى التقاليد الثقافية ذاتها، وعلى أطراف النزاع أن تسهل إيواء هؤلاء الأطفال في بلد محايد طوال مدة النزاع، بموافقة الدولة الحامية، إذا وجدت، وبشرط الاستيثاق من مراعاة المبادئ المبينة في الفقرة الأولى، وعليها فوق ذلك أن تعمل على اتخاذ التدابير اللازمة لإمكان التحقق من هوية جميع الأطفال دون الثانية عشرة من العمر، عن طريق حمل لوحة لتحقيق الهوية أو بأي وسيلة أخرى”، والبروتوكول الإضافي الثاني إلى اتفاقيات جنيف 1977 / المادة 4الفقرة 3″ يجب توفير الرعاية والمعونة للأطفال بقدر ما يحتاجون إليه …”.

6.حق الأسرى:

أن أغلب الأسرى من أهل البيت (عليهم السلام) وعوائل الشهداء من أصحاب الحسين (عليه السلام) الذي كانوا في واقعة الطف من النساء والأطفال والمدنيين، وقد مارست السلطة الأموية بحقهم أبشع الجرائم والانتهاكات فمنذ انتهاء المعركة كانوا مقيدين بسلاسل وحبال وناموا بالعراء بدون طعام أو شراب بل تم إجبارهم على المسير برحلة طويلة وقاسية مشيا على الأقدام ومقيدين ولم يقدموا أي علاج للمرضى منهم .

وهذه الانتهاكات تخالف الاتفاقيات الخاصة بالتعامل مع الأسرى التي وردت في قواعد لاهاي 1907، واتفاقية جنيف الثالثة 1949، والبروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف 1979.