ataba_head

أرشيف حزب البعث وأهمية دراسته في العراق

أرشيف حزب البعث وأهمية دراسته في العراق

د. قيس ناصر

باحث في قسم الدراسات السياسية والاستراتيجية

مركز دراسات البصرة والخليج العربي في جامعة البصرة

 

 

 

من الأهمية بمكان القول بأنَّ دراسةَ أرشيف حزب البعث في العراق من الناحية المعرفية عملية ضرورية جداً ؛ وذلك من أجل التعريف والتأسيس لحفظه في الذاكرة العراقية , عبر تقديم مجموعة من الإصدارات التي تُعنى به , إذ ينبغي تقديم دراسات وبحوث عراقية تُنجز اعتماداً عليه, وهذا أولاً, أما المسألة الثانية, التي ينبغي أن تكونَ محل اهتمام, وهي أن دراسةَ الأرشيف ينبغي أن لا تكون للتعريف بتفاصيله , بقدر ما هي عملية معرفية لمنع تكرار ما حدث, والسؤال المهم, الذي يُطرح اليوم يتمثل بكيفية التعامل مع ذلك الأرشيف الضخم الذي يضم عشرات الملايين من الوثائق, والإفادة منه بالشكل الأمثل، وربما يكون التمهيد للإجابة عن هذا السؤال يتمثل بتشكيل فريق من مركز متخصص يدرك الهدف من اشتغاله من حيث أسباب الدراسة وكيفيتها ونتائجها, ومن خلال دراسة الأرشيف يمكن تسليط الضوء على الواقع السياسي وطبيعة السلطة في العراق خلال نظام صدام, وانعكاساتها على الوضع الراهن, ولا سيما أن سلوكه الإجرامي لا يزال ماثلاً من خلال الجماعات المتطرفة .

وعلى الرغم من تأكيد أحد المعنيين, أن العراق قد خسر أكثر من 40% من أرشيفه, إلا أن ما متوفر فقط في معهد هوفر في الولايات المتحدة الأميركية يتضمن أكثر من أحد عشر مليون صفحة وألف وخمسمائة ملف فيديو, فضلاً عن الأرشيفات التي تم إعادتها إلى السلطات العراقية,  ومن الواجب القول أن الأرشيف الموجود في معهد هوفر هو نتاج للوثائق التي جمعتها مؤسسة الذاكرة العراقية من مقر القيادة القطرية لحزب البعث المقبور ومصادر أخرى .

ولعلَّ من أبرز المهتمين بالأرشيف المتوفر في معهد هوفر-ستكون هنالك مقالات مختصة لاحقاً للتعريف بما يحتوي- هي ليزا بلايدز مؤلفة كتاب دولة القمع … العراق في عهد صدام, وهي استاذة العلوم السياسية في جامعة ستانفورد, فضلاً عن باحثين آخرين, وقد اهتمت بلايدز بطبيعة النظام الشمولي (التوتاليتاري) الذي شكله حزب البعث في العراق, وفي هذا الاشتغال, لعل أول من درس أو كتب عن النظام الشمولي في العراق هو كنعان مكية في كتابه جمهورية الخوف, من ثم جاءت دراسات أخرى, مثل بعض كتابات فالح عبد الجبار, لكن ما يميز اشتغال بلايدز أن دراستها جاءت بعد الاطلاع على الوثائق بشكل أوسع من خلال معهد هوفر  .

ما يهمنا تأكيده في هذا المقال هو ضرورة الاهتمام بدراسة الأرشيف ليس من أجل الانتقام, فالذي سيطلع عليه ليس من غير المهتمين, إنما هم مهتمون ولديهم دراية بالخطورة الاجتماعية لبعض وثائقه, إلا أن عملية اعادة بناء الدولة والمجتمع أيضاً, تتطلب دراسة الماضي من مصادره الرئيسة, لمنع تكرار أخطائه .