banarlogo

عالمية السّلام عند سماحة السيد السيستاني “دام ظله”

عالمية السّلام عند سماحة السيد السيستاني “دام ظله”

 

الدكتور عباس إسماعيل سيلان الغراوي

 

الإسلامُ الحقيقي ليس أمة مقفلة على نفسِها , بل هو أمّة متحضرة , أمة قادرة على النمو وعلى كسب الآخر , وهذا هو فقط الإسلام الحقيقي لا الإسلام الدعائي الذي مُزِج بالأهواء , وضيعته الميولات والذّاتية , وربما يدّعي كثيرٌ من النّاس أحقية إسلامِهم , ولكنَّ أفعالَهم تشهدُ على براءتِهم من الحقّ , وإذا جئنا إلى مرجعيتنا المتمثلة بالسيد السيستاني رأينا عظمة المذهب الإمامي بعظمة هذه القيادة المثالية التي رَسَمَت الإسلامَ كما أراده اللهُ تعالى , فقد نالت القبولَ والإعجابَ لِمن أنصف من المسلمين وغير المسلمين , وقد أرسلَ إليه كاتبٌ عراقيّ صابئي مقيم بالسويد اسمه مثنى حميد مجيد رسالةً حملت عنوان : من صابئي مندائي إلى آيةِ الله العظمى السيد علي السيستاني جاء فيها : (أكتبُ لكم لأنَّكم أثبتم للعالم أنَّ الإسلامَ دينُ سلام , وليس إرهاب , دين رحمة واعتدال وليس دين حقد وخوف فأكسبكم ذلك احترام وتقدير العالم وإعجابه” [1]

وفيه يقول نيكوالس بالنفورد : (أما في العراق فإنَّ المرجعَ الديني الأعلى والأبرز آية الله علي السيستاني والذي لعبَ وما زال يلعب الدور الأكبر في وضع الأطر العامة للمراحل المتقدمة … وهو مبجل في جميع أنحاء العالم الإسلامي ) [2].

ورأينا إشادةَ المستشرق هاينس هالم فيه , مع أنَّ القارئَ في كتابات هذا المستشرق يجده كثيراً ما كان يقسو في قراراتِهِ على المسلمين.

وقد أكَّد السيدُ المرجع أنَّ السّلامَ ركنٌ من أركان قيام الدولة العراقية الجديدة ؛وذلك بإجابة  لمجلة دير شبيغل الألمانية عن سؤالها (ما هي الأسس التي يجب أن يقومَ عليها عراقُ المستقبل) , فأبانَ عن أُسسٍ لو طبقت لكان العراق الآن البلد الأول أو سيصير الأول في الرقي والتقدم , وذلك بالنص : ((مبدأ الشورى والتعددية والتداول السلمي للسلطة في جنب مبدأ العدالة والمساواة بين أبناء البلد في الحقوق والواجبات , وحيث إن أغلبيةَ الشعب العراقي من المسلمين فمن المؤكد أنهم سيختارون نظاما يحترم ثوابت الشريعة الإسلامية مع حماية حقوق الأقليات  الدينية)) [3].

هذه النظرة جعلت من السيد المرجع : ((  المثال البارز للوحدة بين المسلمين عموماً وبين أبناء الشعب العراقي بشكل أخص , وأصبح رمزاً للإسلام الحقيقي , وهو يعطي باحترامه الرأي الآخر وقبوله تعدّد الآراء وإيمانه برأي الأمة في تقرير مصيره وكسب سيادته دروسًا بليغة في السماحة واللاعنف بعيدا عن الإرهاب والقتل وقمع الأصوات وعدم إصدار فتاوى في تكفير أحد)).[4]

ولم يفرِّق بين طائفة وأخرى , ومن هنا كان دعاؤه منذ البداية إلى الانتخابات ؛ ليأخذَ كلٌّ حقّه الذي يستحقه ويؤكد ذلك جواب مكتبه لصحيفة أساهي اليابانية وكان سؤالها : ( غالبية الشعب العراقي من الشيعة , ما هو الدور الذي تريد أن يلعبه شيعة العراق سياسياً؟ وما نوع الحكم الذي تريدونه في العراق ؟ أي ما شكل الحكومة مستقبلاً ونوع النظام؟)[5].

وكان الجواب : (أما ما يريده الشيعة فهو لا يختلف عمّا يريده سائر أبناء الشعب العراقي من استيفاء حقوقهم بعيدا عن أي لون من ألوان الطائفية , وأما شكل نظام الحكم فليزم أن يحدده الشعب العراقي بجميع أبنائه من مختلف الأعراق والطوائف , وآلية ذلك هي الانتخابات العامة)[6].

فليحظ أنَّ الخطابَ سُحِبَ من الحديث عن الشيعة الذي خصصته به الصحيفة اليابانية إلى الخطاب عن العراق بكلِّ أطيافه , وتكرر الأمر نفسه مع صحيفة نوفيل أوبزرفاتر الفرنسية حين سألت : ( هل ترى في الوقت الحاضر أن الشيعة في العراق أكثر توحدَا وتعاوناً وتقارباً فيما بينهم عن قبل) , وجاء الرد : (إذا لم تتدخل الآيادي الأجنبية في الشأن العراقي فيكون كل الشعب في العراق أكثر انسجاماً وتقارباً لا خصوص الشيعة)[7].

ويؤكد السيد في غير موضع ضرورة حفظ المواطنين وأنّى كانوا على هذا النحو من القول : ( لقد أوضحنا أكثر من مرة أنَّ الدعوة للتطوع في صفوف القوات العسكرية والأمنية العراقية إنما كانت لغرض حماية العراقيين من مختلف الطوائف والأعراق وحماية أعراضهم ومقدساتهم من الإرهابيين الغرباء , ومن هنا نؤكد على جميع العراقيين في القوات المسلحة ومن التحق بهم من المتطوعين الذين نشيد بشجاعتهم وبسالتهم في الدفاع عن بلدهم وشعبهم ومقدساتهم … نؤكد عليهم جميعاً ضرورة الالتزام التام والصارم برعاية حقوق المواطنين جميعاً وعدم التجاوز على أي مواطن بريء مهما كان انتماؤه المذهبي أو العرقي  وأيّا كان موقفه السياسي , ونذكّر الجميع بما قاله النبيُّ المصطفى في حجة الوداع عندما خاطبَ النّاس بقوله : ( ألا وأن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا , ألا فليبلغ الشاهد الغائب ).

وبقوله (صلى اللهُ عليه وآله) : (من أعانَ على قتل مسلم بشطر كلمة لقي الله تعالى يوم القيامة مكتوب بين عينيه : آيس من رحمة الله).

فالحذر ,  الحذر من التسبب في إراقة قطرة دم إنسان بريء أو التعدي على شيء من أمواله وممتلكاته).

ويظهر التأكيد بشدة ضرورة حفظ الناس وأن يكونَ المقاتل حذرا في التعرض لهم , وأن يجتهدَ في التشخيص الصحيح , وأن يعمل بكلِّ جدية لتجنب التعرّض للناس الأبرياء وأنّى كانوا؟ .

ونجد الاستدلال بالحديث النبوي كون النبي من المشتركات بين الشيعة والسنة مما لا خلاف فيه أو تردد , وكل ذا لأجل جذب الآخرين , فهو نبيُّ الرحمة وهو الذي ينبغي بنا أن نتأسى به وبأقواله , ويظهر في النصّ وما جاء فيه من حديث نبوي ضرورة حفظ المسلم بكلِّ ما أمكننا ولم يخصَّص الأمر بالشيعي بل أريد الشيعي وغيره.

 

[1] ) الإمام السيستاني أمة في رجل / 356

[2] ) السيد السيستاني ورياح التغيير , مقال منشور في صحيفة الديلي ستار الأكاديمية , ترجمة وليد عبد الأمير نقلا عن الإمام السيستاني أمة في رجل :274

[3] )النصوص الصادرة عن سماحة السيد السيستاني في المسألة العراقية : 102, بتاريخ 24 ذي الحجة 1424هــ

[4] )الدور السياسي للمرجعية الدينية في العراق الحديث ,: 68_69

[5] )هذا السؤال وغيره مما سيأتي جاءت في كتاب : النصوص الصادرة عن سماحة السيد السيستاني في المسألة العراقية , وجاءت الإجابات عنها في الكتاب نفسه لاحقة لها ؛ لذا سنكتفي بوضع الإحالة على الإجابة فقط.

[6] ) النصوص الصادرة عن سماحة السيد السيستاني في المسألة العراقية :45

[7] ) النصوص الصادرة عن سماحة السيد السيستاني في المسألة العراقية : 65, وتكرر الأمر مثله في المصدر نفسه في جواب لصحيفة واشنطن بوست بتاريخ 27 شعبان , 1424هــ : 80