banarlogo

الجذور الفكرية لداعش (2)

الجذور الفكرية لداعش (2)

الباحث عبد الهادي معتوق الحاتم

 

دلالات مصطلح السلفية.

السَلَفيّة (لغة): اسم مؤنَّث منسوب إلى سَلَف ، وتعني ( القِدَم والعراقة).

و(اصطلاحاً) هي اسم لمنهجٍ يدعو إلى فهم الكتاب، والسنة بفهم سلف الأمة، والأخذ بنهج، وعمل النبي محمد، وأصحابه، والتابعين، وتابعي التابعين باعتباره يمثل نهج الإسلام، والتمسك بأخذ الأحكام من كتاب الله، وممّا صح من حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ويبتعد عن كل المدخلات الغريبة عن روح الإسلام وتعاليمه، والتمسك بما نقل عن السلف.

وهي تمثل في إحدى جوانبها إحدى التيارات الإسلامية العقائدية في مقابلة الفرق الإسلامية الأخرى، وفي جانبها الآخر المعاصر تمثّل مدرسة من المدارس الفكرية الحركية السنية التي تستهدف إصلاح أنظمة الحكم والمجتمع والحياة عمومًا إلى ما يتوافق مع النظام الشرعي الإسلامي بحسب ما يرونه، برزت بمصطلحها هذا على يد أحمد بن تيمية في القرن الثامن الهجري وقام محمد بن عبد الوهاب بإحياء هذا المصطلح من جديد في منطقة نجد في القرن الثاني عشر الهجري والتي كانت الحركة الإصلاحية التي أسسها من أبرز ممثلي هذه المدرسة في العصر الحديث.

ويرى آخرون (من علماء السلفيّة) : أن المراد بمذهب السلف ما كان عليه الصحابة وأعيان التابعين لهم وأتباعهم وأئمة الدين ممن شهد له بالإمامة وعرف عظم شأنه في الدين وتلقي الناس كلامهم خلفاً عن سلف دون من رمي ببدعة أو اشتهر بلقب غير مُرضٍ مثل الخوارج والروافض والقدرية والمرجئة والجهمية ومن علي شاكلتهم…

وعند البحث عن خلفية هذا الموقف في القرن الأول للإسلام في مذهب الخوارج ، فقد اتخذ موقفاً ضد أهل الرأي ووفر الأرضية لميلاد مناهج مثل المادية ،وكان الماديون جماعة تعتبر الله جسداً ، مستشهدين بظهور آيات وأحاديث معينة ، وامتنعوا عن أي تأويل عقلاني، وقد تراجعت هذه العقائد في القرون اللاحقة ، حتى القرن الثاني عشر إذ ظهر الشيخ محمد بن عبد الوهاب فأحيا هذه الأفكار في نجد والحجاز.

 

الأُسس الفكرية للسلفية .

وبتدقيق آراء وأفكار الفكر السلفي يمكن القول إنَّ هذا التفكير يقوم على عناصر مثل التأكيد على النص ، ومعارضة الفلسفة  والتكفير ، وما إلى ذلك فيما يلي بعض أهم مبادئ الفكر السلفي:

  1. التأكيد على النقل والاستخفاف بالعلم والعقل.

لا يهتمُّ السلفيون بالعقل والتفسير العقلاني فالمعرفة العقلانية البشرية عندهم هي الفتنة بعينها ؛ لأنها تحرم الإنسان من الحاجة إلى الله .

ويرى السّلفيون العلم على أنّه سبب للثورة والتمرد وعبث الإنسان، والمسلمون هم أولاً وقبل كل شيء خدّام الله، وفي هذا الصدد سخّر ابنُ تيمية كتابه (درء تعارض العقل والنقل) للردّ على الدائرة العقلية في قانونها الكلي ، ومضمونه أنّه بما أنَّ العقلَ ليس لديه طريقة لفهم العوالم العليا ، فلا يمكن أن يتعارضَ فهمه مع النقل،ووفقًا لهذا الرأي ، فإنَّ العقلَ المقبول يخدم دائمًا تفسير الوحي ، وإلا فإنَّ العقل هو العقل اليوناني الذي لا يفعل شيئًا سوى الابتكار؛ لذلك لا سبيل إلى معرفة العقائد والأحكام وكل ما يتعلق بها إلا من خلال القرآن الكريم والسنة النبوية التي تعبر عنه.

لذلك  إذا هيمن العقل بعد ذلك  يكون ذلك فقط في الاعتراف ،والاعتراف والتعبير عن أن السرد أقرب إلى العقل وأنَّهما غير منفصلين عن بعضهما بعضا، فالعقل شاهد ولا يعدّ حاكما ولا راويا ولا منتهكا ولا متناقلا ، وداعية للحجج الواردة في القرآن الكريم في الأساس ، من وجهة النظر السلفية ، يسعى العقل إلى الاقتباس ، وتقويته ، ولا يمكنه المجادلة بشكل مستقل.

  1. الحثّ على الجهاد.

الجهاد مبدأ أساسي آخر للفكر السلفي يمكن للجهاد أن يساعدَ علانية أو سرّا ، مسلحًا أو غير مسلح ، في إقامة دولة إسلامية والجهاد من الكلمات التي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالانتفاضة وإقامة الدولة الإسلامية ودار الإسلام ودار الحرب و يعتبر السلفيون الجدد الجهادَ مباحاً بأيّ شكل وبأي وسيلة  بعبارة أخرى  يعتبر الجهاد فعل أي شيء من خلال القنوات القانونية والرسمية أو غير الرسمية والسرية التي تهدف إلى مواجهة الكفر وإقامة دولة إسلامية.

  1. التأكيد على النص وتجنب التفسير والابتكار.

كان من أهمّ الأسس الأيديولوجية للسلفيين القدماء اتباع ظهور نصوص القرآن والسنة ومعارضة التفسير في أسلوبهم في التعبير ، باستخدام آيات القرآن على نطاق واسع (بغض النظر عن الارتباط المنطقي للآيات أو تشابهها أو الوحي المحدد لكل آية) ، سعوا إلى رسم وجه الإسلام بناءً على معتقداتهم؛ لذلك يمكن القول إنَّ السلفيين يتصرفون وفق المنهج السطحي وينكرون التفسير ويعتقدون أنه إذا فتح طريق التفسير سيخرج الدين من الباب الآخر، يؤمنون أن كل ما يقوله الله في القرآن يجب أن يكونَ مبنيًا على ظاهره ، فقوله  تعالى : ( يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ )، يعني إن لله جلّ شأنه يداً حقًا ولا ينبغي تفسيرها على أنها تعني القوة أو أي شيء آخر.

وعلى هذا الأساس ، يمكن إعطاء التعريفات التالية لمعنى السلف: منهج الصحابة ، منهج التابعين ، منهج رسول الله (صلى الله عليه وآله) والصحابة والتابعين ، وفي غضون ذلك ، كسر السلفيون الجدد الحدود الزمنية والعقائدية للصحابة وأتباعهم ، وكيّفوا أفكارهم أكثر مع أفكار وآراء ابن حنبل وابن تيمية وأبي بكر البغدادي كما فعل الدواعش .

  1. التكفيرية والتطور الدلالي والنموذجي للكفر.

كان الشرك والكفر عند السلفيين القدماء في الغالب شكلاً من أشكال العبادة والمعتقدات الفردية ، مثل مناشدة القديسين ، والنذور ، والشفاعة ، وزيارة القبور ، ولكن الشرك والكفر  اللذين يؤمن بهما السلفيون الجدد ويفسرونه على أنهما كفر جديد  يكاد يشمل جميع جوانب الحياة الاجتماعية والمدنية للفرد وبحسب السلفيين الجدد، اتباع أفكار جديدة أو التحول إلى مدارس فكرية وفلسفية .

وعليه فإن السلفيين يعتبرون كل الدول الإسلامية كافرة بسبب تبني أساليب وقوانين أخرى غير قوانين الكتاب والسنة، ويعدّون هذا النوع من الكفر الجديد أشد قسوة من كفر المشركين في عصر الجاهلية؛ لأن المشركين في عصر الجهل كانوا يعبدون الأصنام للتقرب من الله ، لكن الكفار في الفترة الأخيرة اختاروا آلهة أخرى بدلاً من الله، واستناداً إلى هذه الأيديولوجية السلفية يأمرون بطرد العديد من الجماعات والأفراد، ويمنحهم أسلوب الحرمان الإذن بتنفيذ أي عملية عنيفة بما فيها القتل بطرقه المختلفة.

عامل آخر للخلاف بين السلفيين هو السياسة  وقضايا مثل مدى المشاركة في السياسة ، وكيفية التفاعل مع الحكومة ، واتخاذ موقف ضد المعارضة ، من داخل الديانات (الديانات الأخرى) إلى خارج الديانات (غير المسلمين) ، بعض هذه هي الحالات.

بينما يعتبر بعض السلفيين طاعة الحاكم ضرورية حتى يعلن الحاكم الإسلامي رسميًا التجديف ، ويؤمن آخرون بمحاربة الطاغية، وأحيانًا يتشابه التياران السلفيان من حيث الأفكار وحتى المواقف السياسية ، لكنهما يختلفان من حيث كيفية تحقيق الأهداف.

على سبيل المثال ، بينما يستخدم فرع جمعية العلماء الإسلامية التابع لمدرسة ديوبند الأساليب الدبلوماسية واللاعنفية للنهوض بأهدافه ، فإن جماعة مثل فيلق الصحابة لها نفس الموقف وتستخدم المعتقدات أساليب الإرهاب والعنف لتحقيق أهدافهم  وبحسب هذه العوامل يمكن تقسيم السلفية على أنواع أهمها :

 

 

  1. السلفية التكفيرية

تشير السلفية التكفيرية إلى نزعة مجموعة من السلفيين الذين يعتبرون خصومهم كفاراً وفقًا لأساسهم الفكري ، هناك علاقة بين الإيمان والعمل الكافر ملزماً بالقتل في العالم الإسلامي و كانت المجموعة الوحيدة التي اعتنقت مثل هذا الاعتقاد هي الخوارج  وقد أدى هذا الرأي بالسلفيين التكفيريين إلى تصنيف العديد من المسلمين على أنهم مشركون ، ودمائهم مهدورة . ويعدّ الوهابيون والقاعدة وداعش وـنصارهم من أهم أنواع هذه المجموعة.

  1. السلفية الجهادية :  

السلفية الجهادية في نشاطها لا تولي اهتماما للتعريف المشترك بين علماء الإسلام الذين يقسمون العالم على قسمين: الإسلام والكفر بدلاً من ذلك ، من خلال تطوير مفهوم الشرك والكفر ، فإنهم يستبعدون أيضًا مجموعة كبيرة من المسلمين من دائرة الإسلام من ناحية أخرى ، وضعوا أساليب وعمليات عنيفة في مقدمة أنشطتهم ، ولهذا السبب في بعض البلدان الإسلامية حيث يتواجد السلفيون الجهاديون ، فإن معظم أعدائهم من المسلمين.

إنَّ الجهاديين السلفيين ليسوا مجتهدين للغاية  وكما يوحي اسمهم ، فإنهم يمنحون الأصالة للسلاح والجهاد، وكان من أهم منظري هذه الحركة عبد السلام فرج الذي اعتقل وأعدم في قضية اغتيال السادات، وله كتاب بعنوان : (الجهاد الفريضة الغائبة)  يرى فيه أن سبيل إنقاذ البلاد الإسلامية هو الجهاد المسلح ضد حكوماتها،بالطبع هناك أوجه شبه بين السلفية التكفيرية والسلفية الجهادية ، وقد خدمت السلفية الجهادية السلفية التكفيرية.

  1. السلفية السياسية

يعدّ تعريف السلفية السياسية أكثر صعوبة من أنواع السلفية الأخرى؛ لأن العديد من التيارات السلفية تسعى من ناحية إلى تحقيق أهداف سياسية إلى جانب أهداف دينية ، ومن ناحية أخرى يسمي الغربيون جميع الحركات الإسلامية التي تربط الدين بالسياسة بالسلفية والأصولية.

يمكن القول  في تعريف السلفية السياسية  إنها نوع من السلفية تسعى على الرغم من وجود أهداف أيديولوجية إلى المزيد من الأهداف السياسية واكتساب السلطة السياسية.

ويعدّ الفكر الداعشي خليطاً من هذه الأفكار المتطرفة يقوم على أفكار أناس مثل أحمد بن حنبل وأحمد بن تيمية وابن القيم الجوزية ومحمد بن عبد الوهاب، ليتخذ بعدها تدريجياً نهجًا سلفيًا أكثر تطرفاً .

(داعش) تعني الدولة الإسلامية في العراق ، وهي منشقة عن تنظيم القاعدة المتطرف، أُسّست عام 2006 باسم “جماعة التوحيد والجهاد” بقيادة أبي مصعب الزرقاوي في العراق ، وكانت تُعرف باسم القاعدة في العراق، ثم احتل أجزاء من العراق وسوريا ، وشكل عام 2014 تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام ” ، وعُين أبو بكر البغدادي خليفة له.