استراتيجيات منع التّطرُّف
الأستاذ المساعد : رائد عبيس
عميقةٌ هي التّجارب التي تذهبُ باتجاه تأكيد انفلات العقل البشري من قاعدة منطقيته، بل ومن تبويب هذه التجربة بنزعة الأنا اتجاه الآخر، فلم يكن العقل وحده أداة الحكم والتقييم والقبول، بل كانت أوهامه، وطموحات النفس تجنح به صوب الانفعال القاتل، وهي لحظة مصادرة العقل وتحييده.
وهنا نحتاج إلى ضابطة أخلاقية تمنع العقل من الغيبوبة المؤقتة، والتفريط بموقعه وحاكميته على كل الانفعالات، وما يطبع بها من سلوك، وتترسخ بها العادة.
التّطرُّف، والتّطرُّف العنيف ، والتّطرُّف اللاعنفي، هي حالات من التطور، والتراجع، والتذبذب بين العنف وسلوكه ، أو بين القناعات به وعدم ممارسته، هذه المستويات تحتاج إلى استراتيجيات ، وخطط للحدِّ من وجودها ، ونموها ، وتطورها، وإن وجدت فيجب أن نجهدَ أنفسَنا حتى لا تتحول إلى مراحلَ خطرةٍ من العنفية وقوتها ، وكذلك يجب أن نعملَ على تخفيف حدة تلك العنفية والعودها بها بأقل مستوى من الشدة ، والقبول بوجود التّطرُّف بدون عنف وممارسة، مع خطورة توطينة في بيئتنا الاجتماعية، والسياسية، والدينية.
نعتقد أن تكثيف برامج الحدّ من النمو الفكري للتطرف، يقع على عاتق المؤسسات الرسمية للدولة بشكل عام، والمؤسسات الاجتماعية والدينية بشكل خاص.
ينصرف الذهن في العادة عند ذكر التطرف، إلى التطرف الديني , وما يقترب منه خطورة هو التطرف السياسي، الذي يسخّر الدين في بعض الأحيان، لتعزيز سلطته وسطوته على خصومه من الديانه نفسها، أو من غيرها.
هنا نسأل عن استراتيجيات الحد من التطرف وتناميه، ونقول أية أساليب ممكن أن نتبعها لنمنع تنامي التطرف بكل أشكاله في المجتمعات، ولاسيما المجتمع العراقي الذي له تجارب قاسية فيه؟
نرى أن هناك جملة أفكار ممكن بها العودة إلى قواعد العقل الفطرية السليمية التي يعزز معها الوعي، وهنا لا نريد أن نقصر الفطرة على السلمية فقط، فهناك منها ما يحتاج صقل، وتهذيب، وتربية، وحد، وتحجيم، عن جنوحها الشرير.
ومن هذه الاستراتيجيات هي :
١: أن نراقب في الأبناء والشباب، سلوك تنامي التطرف الأسري إلى تطرف اجتماعي يحمل صبغ مختلفة من دينية وسياسية. وهذا يتطلب معيار أخلاقي صارم، نأمل من خلاله تقليل من خطورة تنامي التطرف إلى عنفيته القاتلة.
٢: تفعيل سلطة القانون، لا قانون السلطة، حتى لا نسمح بتنامي التطرف السياسي اتجاه الخصوم والمختلف عنا انتمائيا وإيديولوجيا.
٣: الاحتكام إلى عقلانية الأخلاق والدين، لمحاولة ضبط السلوك الاجتماعي العام، والاستناد إلى مرجعياتها في الحكم.
٤: تكثيف برامج التعليم، والتدريب، على كل الشرائح الاجتماعية، والخروج من فكرة النخبوية، لتعزيز فرص تعايش الوعي العاقل بين الناس، بدون طبقية وتعالي.
٥: فكرة الدولة وكيانها ملاذ حقيقي لو اتجهت إلى توطين أخلاق المواطنة المسالمة، بين فئات المجتمع وأفراده. وهذا يتطلب جهد جماعي لتقوية وجود الدولة، اتجاه قوة المجاميع.