مجالات تأثير التطرُّف (1)
المجال الاجتماعي
م.م محمد الخزاعي
العتبة العلوية المقدسة
إنَّ العلم بحقائق الأشياء والوعي بمعانيها , يعدُّ مدخلاً أساسياً لتصورها ؛ لذلك عُنيّ العلماء والمفكرون بكافة اختصاصاتهم ببيان المعاني والمفاهيم لكلِّ المصطلحات التي يتناولونها, إذ أصبحت المصطلحات أدوات في الصراع الحضاري والفكري بين الأُمم ؛ بل حتى داخل الأمة الواحدة .
واليوم في هذا العصر ملأت قضية “التطرف” الدنيا , وشغلت الناسَ , وأصبحت حديثاً مشتركاً بين كل اللغات , ولكن وإن نطقَ الجميع بالكلمة ,فإنهم مختلفون في تحديد معناها , فلا تكاد تعريفات التطرف تقع تحت الحصر , وكذلك الأمر مع تأثيرات التطرف , فالتطرّف كما أنَّ معناه غير محدد فإنَّ تأثيره غير محدد , فلا يمكن حصر تأثير التطرف على الجانب الفكري فقط , بل أنَّ للتطرف تأثيراً في مجالات أُخر , منها المجال الاجتماعي _موضوعنا_.
فهو يؤثر بشكل مباشر على الحقوق الاجتماعية للمجتمع ، من خلال الاعتداءات على حقوقهم الاجتماعية , فإلى جانب نشر الأفكار المتطرفة نجده يؤثر في تقدم التنمية التي تؤدي بدورها إلى انتشار البطالة ، كما له الأثر السلبي البالغ في مجال التربية ، و التعليم العالي من خلال استفحال ظاهرة التسرب المدرسي وانتشار الأمية بشكل واسع بين فئات مختلفة من المجتمع.
إذ يستهدف التطرف ودعاته طبقات المجتمع التي أنهكتها الأمية وهمشتها من خلال استغلال قلة علمهم لتغليطهم بالمفاهيم الدينية المتطرفة لا سيما مفهوم الجهاد بوسائل دعائية تؤجج فيهم مقاتلة الآخرين لاختلاف الفكر أو للاختلاف في أبسط الأمور.
بالإضافة إلى ذلك، فإنَّ القيود التي يفرضها التطرف على مجال الحريات الدينية من خلال سياسة التكفير المنتهجة من طرف الجماعات الإرهابية يؤثر بشكل مباشر في بنية المجتمع ، مما يؤدي إلى خلق تشنج في العلاقات مما يؤدي في بعض الأحيان للكراهية و العدوان والاقتتال ، ويقود لعزلة المجتمع الصادرة منه أشكال هذا التطرف عن المجتمعات الأخرى.
ولا يمكن مواجهة تأثيرات التطرُّف على الحياة الاجتماعية والمجتمع بصورة عامّة إلا من خلال عدة أمور لعل أهمّها القضاء على الفكر المتطرف المتجذر من خلال مواجهة الفكر بالفكر بكلِّ الوسائل الممكنة مما يسهم في عودة الهدوء والثقة في بين طبقات المجتمع ، وتزايد مستوى يقظة أفراد المجتمع إزاء أنصار ومؤيدي الخطاب المتطرف , وإعادة بناء النسيج الاجتماعي الذي تعرض للاضطراب الشديد من جراء سيطرة الجماعات الإرهابية المتطرفة الأخيرة على بعض مدن العراق ، وحماية الأرواح البشرية التي كانت الآلة الإجرامية للتطرف العنيف والإرهاب ستزهقها ، و ذلك من خلال القيام بمجهودات كبيرة ، تمس ركائز المجتمع العراقي،و لا سيما التعليم، وتوفر فرص العمل وعقد الندوات الفكرية التي تخاطب الفئات الأكثر عرضة للتطرف .
فمن خلال التعليم يمكن تأكيد مبادئ جوهرية يكفلها الدستور العراقي ، وهي ضمان: الحق في التربية، التعليم، و دور الدولة في ضمان تكافؤ فرص الاستفادة من التربية فضلاً عن ضرورة تغيير المناهج التعليمية بطريقة تناسب العصر وتواكب التطور الحاصل في المعرفة بصورة عامة مما يشجع بحزم على الحداثة والاندماج في باقي العالم الحديث مع تطوير الفكر النقدي والعلمي والعقلاني.فالتربية والقضاء على الأمية تساهمان في التكوين الفعَّال للفرد وبالتالي يتوفر السبيل الفعّال في مكافحة الظلامية والتطرف الإرهاب.