banarlogo

السياسةُ الاقتصاديةُ في مواجهةِ مخاطرِ التّطرُّف العنيف

السياسة الاقتصادية في مواجهة مخاطر التطرف العنيف
 
الدكتور العقيد ثائر غالب الناشيوزارة الدفاع

 

 

 

يمكنُ تعريف السّياسات الاقتصادية بأنَّها مجموعة من القواعد والوسائل والأساليب والإجراءات والتدابير التي تقوم بها الدولة ، وتحكم قراراتها نحو تحقيق أهداف اقتصادية خلال مدة زمنية محددة ، وكما أنها مجموعة من الأهداف والأدوات الاقتصادية والعلاقات المتبادلة.

 

إنّ النظر إلى تاريخ العراق الاقتصادي يُظهر لنا أنّه لا يختلف عن بقية اقتصاديات الدول النامية ، فعلى الرغم من وفرة موارده المالية والمادية والبشرية فهو يعاني من إشكاليات وتحديات واختلالات هيكليّة وبنيوية واسعة لأسباب داخلية وأخرى خارجية ، ليس بسبب ضعف السياسات الاقتصادية فحسب بل بسبب مصادرة القرار الاقتصادي بحيث أصبحت القرارات ذات طابع سياسي أكثر منه اقتصادي ، ممّا أدى إلى تعميق تلك الاختلالات فضلا عن  كونه ما يزال اقتصادا ريعيا (أحادي الجانب)على الرغم من توفر الموارد العديدة والمتنوعة والإمكانات المادية والبشرية.

وبشكل عام فإنَّ أهمَّ مشاكل الاقتصاد العراقي هي عدم القدرة على إدارة الموارد الاقتصادية ، لعدم وجود الشخص المناسب في المكان المناسب وغياب الرؤى المستقبلية في سياسة وتخطيط الاقتصاد العراقي.

من هنا لا يمكنُ فكّ الارتباط للعلاقة بين السياسة الاقتصادية والتنمية والتطرف العنيف، فالجانبُ الاقتصادي هو الجانب المادي للمجتمع وأحد أسباب تعديل السلوك، إذْ يمكن أنّ تعمل وفرة النشاطات الاقتصادية في توسيع خيارات الشرائح الاجتماعية الفقيرة وتوّفر لهم مقومات الحياة الأساسية والضرورية وتزيد من حجم الاستثمارات الاجتماعية للأفراد، الأمر الذي يجعلهم داعمين لحمايةِ هذه الاستثمارات ضد الأخطار التي تهددها من عمليات العنف والجريمة والإرهاب، أو من أية قيّمٍ بعيدة عن قيّم وقواعد المجتمع ، ومن ثَمَّ تصبح الرابطة بين الفرد والمجتمع قوية ، وتجف أو تخفف مصادر الدعم للنشاطات الإرهابية كونها تهديداً أساسياً للاستقرار الاجتماعي والمصالح الاجتماعية ، ولاسيما حينما يدرك أفراد المجتمع الميزات الاقتصادي والاجتماعية للسلام الاجتماعي والأمن الإنساني، فالتطرفُ العنيف استجابة متوقعة لبعض أفراد المجتمع للجماعات المتطرفة ؛ لاعتقادهم بالظلم الواقع عليهم كونهم فئات مهمشة وضعيفة، ومن هنا فإنَّ من آليات مواجهة ومكافحة التطرف بأشكاله كافة، وجود سياسة اقتصادية قادرة على الاستمرار في دعم سياسات التنمية بجميع أبعادها، الاجتماعية والعسكرية والسياسية والثقافية.

لذا فإنَّ اعتماد استراتيجيات ملائمة وفعالة لحالة استرجاع عافية وصحة الاقتصاد العراقي وقطاعاته تتطلب توفر بيئة مناسبة بالاعتماد على سياسات الاقتصادية تشمل جميع قطاعاته وفي مقدمتها:

  • العمل على تخطي الصراعات السياسية وحل النزاعات بين القوى السياسية المنضوية في العملية السياسية، فعدم اتفاقها على برامج موحدة  انعكس سلبا على قرارات السياسة الاقتصادية وفي تراجع وعطل برامج التنمية في كل المجالات .
  • القضاء على الفساد بكلّ أشكاله وأنواعه وتقويض آلياته.
  • الارتقاء بمستوى التخطيط بالاعتماد على ذوي العقول والخبرات في مجال السياسة الاقتصادية والاستثمار وإبعاد من تلطخت يدهم بالفساد المالي والإداري.
  • وجوب تدخل الدولة في الحدّ من سياسة الاستيراد غير مدروسة التي أدت إلى تعطيل العديد من المؤسسات الحرفية والصناعات الوطنية والتي تمثل أحد عناصر النهوض بالاقتصاد الوطني، بسبب المنافسة غير المتكافئة مع السلع القادمة من الصين وبعض دول شرق آسيا والدول المجاورة للعراق.
  • توسيع الاستثمار العام وتعبئة الموارد المحلية وهيكلة القطاعات الاقتصادية مثل قطاع الصناعة والزراعة والتجارة وقطاع السياحة والقطاعات الإنتاجية الأخرى، وإصلاح نظام التعليم والتدريب، والعمل على خلق فرص عمل جديدة باستمرار.
  • هيكلة السياسة الضريبية بما يضمن خفض الضرائب التي تطال الفقراء إلى أقصى حد ممكن والترشيد الحذر في سياسات الإنفاق الحكومي، أي أنّ الترشيد في الإنفاق يجب أنّ يشمل السلع والخدمات الكمالية وليس الأساسية التي يحتاجها الفقراء.

وفي هذا الصدد يجب الإشارة  الى المكانة المهمة التي تأخذها التنمية المستدامة في عملية معالجة التطرف العنيف ومكافحته ، إذ كلما كانت التنمية المستدامة ذات تخطيط وتنفيذ واقعي صحيح قلت عمليات الإرهاب وانضمام المجندين إلى الجماعات الإرهابية ؛ لذلك يجب وضع استراتيجية للتنمية المستدامة قائمة على مجموعة من الخطوات الآتية.

  • إنشاء مركز متخصص بمعلومات التنمية المستدامة يوفر للمعنيين القرار والمعلومات المطلوبة كافة، من أجل دراسة وتحليل أوضاع التنمية المستدامة في العراق وصياغة استراتيجيات ذات العلاقة بشكل صحيح .
  • وضع استراتيجية متكاملة للتنمية المستدامة تعمل على تحسين مستوى دخل الفرد، وتحسين مستوى الخدمات الصحية والتعلمية وتخفيض مستوى الأمية وزيادة حصة المرأة العراقية في التعليم وفرص العمل، ورفع متوسط عمر الفرد، وإنشاء وتطوير المؤسسات التنموية والبيئية وسن وتطوير التشريعات ذات العلاقة بالتنمية المستدامة وتخفيض مستويات البطالة والفقر .
  • تشجيع الدراسات المتخصصة لجوانب التنمية المستدامة كافة الزراعية والصناعية والتعليمية والبيئية في ضوء أهداف التنمية المستدامة والنظر إلى منظومة التنمية الموجودة، وتحديد الدرجة التي يمكن أن تحقق الرؤية للمستقبل مع البحث عن سبل التطوير والتغيير وقياس أداتها حتى تحقيق المساندة لمنظومة التنمية فضلاً عن الاهتمام بأنشاء البنى التحتية ومرافق خدمية لسد احتياجات المواطنين القانطين في الأرياف.
  • تعزيز الشراكة مع مؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص لغرض التطوير المستمر للأنظمة المعنية بالعلوم والتقنية وتنسيقها، فضلاً عن دعم البحث العلمي والتطور التقني والابتكار والاختراع والموهبة والإنتاج الفكري وتشجيعها ورصد جوائز وعمل مسابقات من اجل رفع المستوى العلمي وتسخير العلوم للمحافظة على الموارد الطبيعية وحماية البيئة وتنميتها.
  • التعويل على التنمية المستدامة كخطة استراتيجية بعيدة المدى ،ولاسيما للمناطق الفقيرة والمهمشة حتى لا تكون حاضنة للأفكار المتطرفة التي تشكل مصدراً للعنف والإرهاب والجريمة في المجتمع.