على خطى المواجهة …الخطابُ المُتطرّف من منظورٍ عقائديٍّ (1)
أ.د.حسين الزيادي
جامعة ذي قار
يتكأُ الفكر المتطرّف على منظومةٍ عقائديةٍ متغلغلةٍ في نفوسِ اتباعِها لا يُمكن استئصاُلها بقوة السلاح، فهذا الفكرُ المنحرف بات معملاً لإنتاج الفايروسات التي تدعو للتكفير والقتل والخراب، لذلك فأننا بحاجة إلى ثورة دينية قيمية تؤكد على القيم الإنسانية المشتركة بين البشر على اختلاف عقائدهم ودياناتهم وقومياتهم , وتسهم في تجفيف منابع الفكر المتطرف، وهذه الثورة المنشودة عليها أن تلتزمَ بخطاب يرفع القدسية عن بعض النصوص وإعادة غربلتها وتفسيرها بناءً على القيم الإنسانية المشتركة بوصفها عامل يجمع البشر، ويتوافق مع العدالة التي هي روح الديانات السماوية , وتؤكد حقوق الإنسان الذي كرّمه اللهُ بأن جعله خليفته في الأرض، نحن أحوج ما نكون لإعلاء الهوية الإنسانية على أيةِ هويّةٍ أُخرى ، مهما كانت ؛ لأنَّها طريق المستقبل وطريق الحياة الكريمة، وأننا في هذا الاتجاه لا ننكر الكمّ الهائل من العنف والإرهاب والحقد والكراهيّة التي دُسّت في التراث الإسلامي وأصبحت فيما بعد مرجعاً للإرهابيين.
وتأسيساً على ما تقدم فإنه لا بد من الاعتراف بأنَّ كتبَ التّراث عند الفرق الإسلامية لعبت دورًا أساسيًّا في نشر الكره والبغضاء وأسهمت بإزهاق أرواح الأبرياء، ونشأ بسببها غلاةٌ ومتعصبون أذكوا نارَ الكراهية بين المسلمين ودقوا أسفين البغضاء، وجاءت بعض الفضائيات ، لتزيد الحطب اشتعالا، بما تبثه من بذور الفرقة والتناحر.
ويلحظ أنَّ الفكر المُتطرف كونه قابلاً للنمو خارج بيئته ويمكنه التكاثر بعيداً عن تربته الخصبة وأن تكرار هجمات الإرهاب في مناطق مختلفة من العالم خير دليل على ذلك، والتّطرُّف بأنواعه يجد ضالته في ظروف التفاوت الطبقي والاجتماعي وحالات الفقر والفساد المالي والإداري وانخفاض دخول الإفراد والكساد والبطالة والتوزيع غير العادل للثروات ,وفقدان العدالة في التنمية الاقتصادية واليأس والقمع ,وإذلال الناس في المعتقلات والسجون ، في حين يتقلص وينكمش مع التنمية الإنسانية والمكانية، بما فيها التعليم والمشاركة في ثمار التنمية والمساواة أمام القانون وظروف الحرية وتحمل مسؤولية الحرية.
للآسف الشديد أصبح التّطرُّف والإرهاب لصيقان بالإسلام ظلماً وزوراً وبهتاناً ، وتناسى الجميعُ أن المسلمين هم حملة رسالة سماوية سمحاء جاءت رحمة للعالمين ، وهذا دستور الإسلام يصدح ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاك إِلَّا رَحْمَة لِلْعَالَمِينَ﴾، فالإسلام دينُ الرّحمة جاء لإنقاذ البشرية من جور الوثنية الى فضاء العدالة ، ﴿قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ، يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾.
إنَّ من نتائج الثورة الدينية المنشودة هو رفع الحيف والظلم الذي لحق بالإسلام ، حتى تعرّض الأخير بسبب ذلك إلى عملية تشويه كبرى، ناجمة عن التمسك بقشور الإسلام وتفسير نصوصه وفق الرغبات والأهواء والتمسك بأحاديثَ متطرفةٍ مكذوبةٍ منسوبة للنبيِّ الكريم ,والابتعاد عن الرموز الإسلامية التي تمثّل السلوك الإسلامي القويم أو هي بالأحرى ترجمان القرآن، لذلك غاب عن الآخرين أنَّ الإسلامَ هو دين الوسطية والاعتدال، الذي يُحارب جميعَ أشكال التّطرُّف والغلو والإرهاب بكافة السبل، فهو ثورة ضد التّطرُّف بكافّة أنواعه وأشكاله .
يدعو بعضُهم الى التّمسك بالقرآن دون غيره، والابتعاد عن سيرة النبي وأهل بيته ،وهي دعوة حق يراد بها باطل، وللأسف هذه الدعوة وتلك الأفكار أفرزت تيارات إرهابية خطيرة يتحكمها الجهلُ المركب ؛لأنَّ فهمَ النّصوص القرآنية عصية على من ابتعد عن أهل بيت النبي عليهم السلام، لذلك نشأ فكرٌ عقيمٌ قائمٌ على تكفير المسلمين ورميهم بالشرك ، وبالتالي الدعوة لقتلهم ، ومن هنا نشأت النواة الأولى للإرهاب.
إنَّ مكافحة التّطرُّف بأنواعه المختلفة وصوره المتعددة، تقتضي استراتيجيات صائبة في معركة الأفكار، تقوم على تعزيز الوسطية والاعتدال والعقائد الصافية النقية، وتأكيد حفظ الأوطان، وصيانة مكتسباتها ومصالحها العليا، وهذا لا يكون إلا من خلال تعزيز المنظومة التربوية والإعلامية التي يتم من خلالها تحصين الشباب، وفرض أرضية مجتمعية تتقبل التنوع الثقافي وترحب به، بوصفه مصدر قوة وانبعاث وتجدد، وهذه الخصائص جعلت البشر يختلفون في أمزجتهم واهتماماتهم وتطلعاتهم وأفكارهم، ومن هنا جاء التنوع والاختلاف الثقافي ليكون مصدر قوة لا مصدر ضعف.
يتبع…..