العنف وآثاره على المجتمع العراقي بعد سنة 2003م
د محسن عدنان صالح
كلية الدراسات العليا / جامعة الكوفة
اولاً: قراءة موجزة في أصل كلمة العنف.
أصل كلمة (العنف) لاتينية وتعطي دلالة على استخدام القوة بشكل مطلق دون التطرق الى أسباب استخدامها وحال شرعيتها من عدمها.
عُرِّفَ مصطلحُ العنف أنه القوّة الجسدية التي توجه ضد أيِّ شخص بشكل متعمد، وأطلق هذا المصطلح كذلك على تدمير الأشياء (الممتلكات) , واستخدم العنف على جميع أنحاء العالم وذلك للتأثير على الآخرين وكثيراً ما تقفُ الثقافة والتشريعات القانونية ضد هذه الظاهرة ؛ لأنَّهما يسعيان الى ذات الهدف وهو تحديد ظاهرة العنف، ومن الممكن أن يتعد مفهوم المصطلح ليشتمل الحروب والإبادة وبذلك يكون مصطلحاً شمولياً.
تعدد أنواع العنف بحسب مفهومه الى العنف البدني، والنفسي ويشتمل كذلك على جوانب أخرى، وقد وضع المختصون أسباباً شتى لهذه الظاهرة وهي:
- تفشي ظاهرة العنف الأسري.
- الإعلام السلبي ودوره في نشر ثقافة العنف في المجتمع.
- تدهور الحال الاقتصادي مما يؤثر سلباً في بروز ظاهرة البطالة بين الشباب وخاصة المثقف.
- الأسباب الدينية الذي ينشأ بسبب الفهم الخاطئ للشباب الى الجانب الديني مما يؤدي الى بروز ظاهرة التطرف.
- تفشي ظاهرة العصبية والانتصار إلى القبيلة والعشيرة.
- الأسباب السياسية.
- الغضب وفقدان العقل.
من خلال ما تقدم يمكن أن نضع تصوراً من خلال الخطوط العريضة لمفهوم العنف ودوافعه.
ثانيا: العنف في العراق ما بعد سنة 2003م.
أعقب سقوط النظام العراقي بعد دخول قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة الأميركية في التاسع من نيسان سنة 2003 حدوث انهيار شامل في القانون والنظام في العراق، مما أدى الى خروج الطبقات الفقيرة التي أخذت زمام المبادرة في نهب الممتلكات الحكومية بعد أن فسحت القوات الغازية المجال لهم مما خلق حالة من الفوضى، وتعرضت نتيجة لذلك أكثر المباني الحكومية الى موجة كبيرة من النهب والسلب.
هيمنت حالة الفوضى المشهد العراقي وتمثل بالسلب والنهب الذي طال مؤسسات حكومية كان من المفترض أن توفّر القوات المحتلة الحماية لها فنهبت الآثار وتعرض _من بين المؤسسات الحكومية المهمة_ المتحفُ الوطني في بغداد لعمليات النهب وكذلك مركز المخطوطات وسادت حالة العنف مما أشاع حالة من الخوف والذعر في نفوس السكان وإحداث دمار شبه كامل في البنى التحتية للمباني الحكومية والأماكن التجارية الرئيسة التي كانت تئنُّ تحت وطأة الحصار الاقتصادي ثم انتهت في حملات السلب والنهب التي تعرضت لها بعد عمليات الاحتلال.
استمرت حالة شياع الفوضى في المجتمع العراقي من حرق لوزارات ودوائر حكومية والبنى التحتية أعقبت حالات النهب على مدى أسابيع نتج عنه انهيار شامل في أجهزة الدولة الامنية مما زعزع حالة الامن والاستقرار والوزارات الخدمية التي كانت تقدم خدمات الماء والكهرباء والوقود وبذلك تحول العراق الى مكان محفوف بالمخاطر خاصة بعد ظهور العصابات وتزايد حالات الاختطاف وتفاقم أعمال العنف ضد النساء وبروز أعمال التعذيب والتفجيرات الانتحارية التي لم يألفها المجتمع العراقي من قبل واذا كانت هناك حالات فكانت بحدود ضيقة جدا.
تزايدت حالات الوفيات نتيجة الغزو الأميركي للعراق وتفاقم الهجمات الإرهابية المتواصلة وانعدام القانون وكانت حصيلة الضحايا في ارتفاع مستمر ، إذ سجلت الأمم المتحدة نسبة الوفيات في العراق الناتج من العنف في شهر تشرين الاول لسنة 2006 (3709) ضحية أي بمعدل مائة وعشرين حالة وفاة يومياً، في الوقت الذي قدرت منظمة لانسيت (Lancet) في تشرين الأول لسنة 2004 عدد الوفيات الى مائة ألف من العراقيين سواء كانوا من المدنيين او سواهم وبعد سنة ارتفع الى (655) ألف وفاة أي ما يعادل نسبته الى (2,5%) من السكان.
قدرت وزارة الصحة العراقية أواخر سنة 2006 عدد وفيات الناشئة عن الحرب والعنف من مائة إلى مائة وخمسين حالة وفاة في الوقت نفسه أدلت منظمة (Iraq Body Count) التي تعتمد في إحصاءاتها على الوفيات المسجلة مقتل ما بين (49,642-55,048) مدنياً.
ثالثاً: دواعي العنف في العراق
على الرغم أنَّ الحملةَ العسكرية التي شنتها القوات المتحالفة بقيادة الولايات المتحدة الأميركية سنة 2003 كانت ناجحة وسريعة إلا أنَّ من الواضح كانت هناك أخطاء جسيمة ارتُكبت أدت الى تفاقم حالة العنف في العراق وهي:
- تولي قيادة العراق من قبل قيادات تنقصها الكفاءة والقدرة ولم يعرفوا عن العراق إلا القليل، إذ تم تعيين الجنرال (جي غارنر) في كانون الثاني سنة 2003 ليتولى (مكتب إعادة الإعمار والمساندة الإنسانية) التابع لوزارة الدفاع الأميركية، إلا أن الأخير واجه انتشار النهب والسلب والتخريب الذي طالت معظم المؤسسات الحكومية وإحراق السجلات الحكومية وتعطل البنى التحتية وعدم سيطرته على الوضع أدى إلى عدم بقائه طويلا ,إذ تم تعيين في آيار من السنة ذاتها (بول بريمر) الذي كان يفتقر إلى الخبرة الإدارية.
- طرد الكادر الوظيفي المتقدم في المؤسسات الحكومية وقام في الثالث والعشرين من آيار بإصدار قرار حل الجيش العراقي مما أفقد العراق ركنا مهما في حفظ الحدود التي تدفق منها الأجانب لمقاتلة القوات الأميركية على الأراضي العراقية، كما أن فقدان أكثر من أربعمائة ألف عسكري عمله من قيادات الجيش وممن له خبرة وباع طويل في الفنون العسكرية لذا انضم بعض هؤلاء الى تنظيم القاعدة بقيادة (أبو مصعب الزرقاوي) الأردني الجنسية لخسارتهم السلطة والامتيازات.
- شكل مجلس الحكم في الثالث عشر من تموز وحصر اختيار أعضائه من جماعة المعارضة العراقية التي نظمتها الولايات المتحدة الأميركية على أساس انتمائهم العرقي والعشائري والديني، وبلغ عددهم خمسة وعشرين عضوا تولى كل واحد منهم مدة شهر من الحكم وهذا الأمر لم يجر في العراق إن حُكِمَ على أساس طائفي عرقي ديني وكان ذلك ما فرضه بول بريمر رسميا.
رابعاً: آثار العنف على المجتمع العراقي.
عانى العراقيون في تسعينيات القرن الماضي وبداية الألفية الثانية من الحصار الاقتصادي الذي فُرِضَ عليه نتيجة دخول القوات العراقية الكويت ومن سياسات النظام السابق من تضييق على الحريات وحالات القمع التي تعرض لها الشعب العراقي بشكل عام ثم جاء بعد ذلك الغزو الأميركي على العراق ليزيد الحالة سوءاً مما نتج عنه ظهور ظاهرة العنف واستخدام القوة ضد المدنيين العراقيين الذي طالتهم حالات الاعتداء من القوات المحتلة في المدن العراقية، وظهور الجماعات الدينية المتطرفة (القاعدة) التي تبنت العمليات الانتحارية بحق المدنيين والحروب التي حدثت في بعض المدن العراقية بين القوات المتحالفة والفصائل المسلحة، ويمكن اجمال أهم الآثار التي نتجت عنها هذه العمليات:
- التقلب الاجتماعي وعدم الاستقرار زاد من حدة تفشي حالة الفقر لطبقات كانت حالتها الاقتصادية عالية وظهور طبقة غنية بصورة مفاجئة بسبب السلب والنهب ونقلت وكالة الأنباء (Irin) التابعة للأمم المتحدة في احصائية لشهر تشرين الأول سنة 2006 عن مسؤول في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية أن (5,6) مليون عراقي يعيشون تحت مستوى الفقر ومن هؤلاء نسبة 40% يعيشون حالة الفقر المدقع وتمثل درجة الفقر هذه زيادة قدرها 35% عن مستوى ما قبل سنة 2003 وعلى الرغم من توفر السلع الاستهلاكية إلا أن القليل من كان يقنيه، وتجسدت حالات الفقر بالتالي:
- هناك نسبة من فقد أموال طائلة اضطر لدفعها لعصابات الخطف للبقاء على قيد الحياة.
- انعدام نشاط المرأة اقتصادياً ؛وذلك لأسباب أمنية ودينية.
- تزايد حالة البطالة لسياسة الحكومة في تسريح الجيش والقوى الأمنية حتى بلغت حالة البطالة أواخر سنة 2006 نسبتها 70% ؛ لذا كان من أهمِّ نتائج العنف المستمر وفقدان الأمن عدم تمكن رجال الأعمال من ممارسة أعمالهم ونشاطاتهم.
- تزايد حالات الهجرة سواء كانت الداخلية منها أو الخارجية، وهذا ما أكده المفوض السامي للاجئين التابع للأمم المتحدة في سنة 2008 أن أكثر من مليوني عراقي أي ما يقارب من 10% تركوا العراق منذ سنة 2003 وان أكثر من مائة ألف عراقي شهريا يغادرون الى سوريا والأردن ومن بينهم من ذوي الخبرات والمؤهلات وأصحاب الفكر والعقول مما أسهم في شل الأنشطة الاقتصادية وأثر على مجال التعليم والصحة.
أما العراقيون الذين هاجروا داخل العراق نتيجة للعمليات الإرهابية بلغ (2,100,000) مهجر وعلى الرغم من عودة الكثير أواخر سنة 2007 وأوائل سنة 2008 إلا أن مشكلة التهجير القسري كانت موجودة في بعض المناطق ولعل بعض العائدين تشجعوا في العودة بسبب انخفاض مستوى العنف سيما في بغداد.
المصادر:
- نمير أمين قيردار، إنقاذ العراق
- فيبي مار، عراق ما بعد 2003، ترجمة: مصطفى نعمان أحمد
- عبد الوهاب الكيالي، موسوعة السياسة.
- زيد عبد الوهاب، أزمة النظام السياسي في العراق ما بعد2003.
5. داي ياماو، تاريخ الأحزاب الإسلامية في العراق (1957-2009)، ترجمة فلاح حسن الأسدي ومحمود عبد الواحد محمود.