ataba_head

ملاحظات عامة عن منهجية توثيق تسجيلات صدام

ملاحظات عامة عن منهجية توثيق تسجيلات صدام

د. قيس ناصر راهي

باحث في قسم الدراسات السياسية والاستراتيجية –مركز دراسات البصرة والخليج العربي

جامعة البصرة

 

 

عديدةٌ هي الدّراسات التي اشتغلت أو وثَّقت لحقبةِ النّظامِ الصّدامي, إلا أنَّ ما يُميز كتاب أشرطة تسجيل صدام (الأعمال السرية لنظام استبدادي 1978-2001), هو اشتغالُهُ على التّسجيلات الصوتيةِ, إذ يتضمنُ تسجيلاتِ الاجتماعاتِ والاتصالات, والمؤتمرات, التي حَصَلَت عليها قواتُ الاحتلال الاميركي بعد العام 2003م, وقامَ معهدُ التحليلاتِ الدّفاعية لمكتبِ نائبِ وزيرِ الدّفاع لشؤونِ السياسةِ في الإدارةِ الأميركية بجمعِها واعدادها, مع تأكيدِ القول, أنَّ هناك تسجيلاتٍ أُخرى استولى عليها مركزُ بحوثِ تسجيلات الصراع , التابع لجامعة الدفاع الوطني في الولايات المتحدة الأميركية.

تتضمن القراءة لكتاب (أشرطة تسجيل صدام) محورين:

الأول/ الإشارةُ إلى الغاية من تأليفِ الكتاب والمتمثلة في التّعرف على النظام الصدامي, مثل: كيف كانت ردةُ فعل صدام على ضغوط الحروب التي خاضها؟ ما موقفه من المجتمع الدولي؟ هل توجد لصدام شخصيات مختلفة؟ بمعنى آخر, هل هناك شخصية ظاهرية وأُخرى سرية؟ وجميعُ هذه الأسئلة التي ذُكِرَت بحاجةٍ إلى دراساتٍ نفسيةٍ واجتماعيةٍ وسياسية

أما المحور الثاني/ فهو التّعرفُ على طريقةِ أو منهجية التوثيق التي اعتمدت في الكتاب, وهذا الهدفُ الذي يسعى المقالُ لتسليطَ الضوء عليه, ولا سيما أنَّ فريقَ التّحرير يتألفُ من  كيفن أم وودز وهو عضو هيأة البحث التابعة الى معهد التحليلات الدفاعية , وأحد الباحثين المهتمين في الشأن العراقي ,  وله دراساتٌ في هذا المجال , وديفيد دي بالكي الباحث الذي له مكانتُهُ في مركز بحوث تسجيلات الصراع, والمهتم أيضاً بالشأن العراقي, أما الباحث الثالث فهو مارك اي. ستاوت, المعروف بتقديمه سلسلة محاضرات في الاستخبارات والدّراسات الاستراتيجية وعمل في السابق باحثاً في معهدِ التّحليلات الدفاعية , وهو باحثٌ له اهتماماتٌ بالشأن العراقي أيضاً, وعمل مع وزارات أميركية عدة.

 

إنَّ هذا الكتاب بالأصل كما يشيرُ الى ذلك محرروه, قد تمَّ إعدادُهُ إلى مكتب نائب وزير الدفاع الأميركي , وإنَّ الهدفَ منه تزويد الباحثين بالمعلومات التي تساعدهم على فهم نظام صدام , مع الإشارةِ إلى أنَّ هذا الكتاب لا يحتوي على التسجيلات كافة , إنّما النزر اليسير منها, وما يُمكن ملاحظته على المنهجية التي اعتمدها المحررون , وهذا الأمرُ هو الذي يهمنا هنا, ونوجزها بالآتي:

  • لم يوثق المحررون المادة التي اعتقدوا أنَّها ليس لها أهمية مقارنة بما وثقوه في الكتاب.
  • على وفق قناعات المحررين إنه كلما كانت النسخة الورقية أصغر, سيكون فهم القارئ لها أكبر, لهذا جاء الكتاب بحدود 500 صفحة .
  • بعض التسجيلات تم استبعادها؛ لأنَّها تحتوي على مناقشات مشتتة لا يربطها موضوع واحد .
  • حذّر المحررون من النتائج الاجتماعية للتوثيق في حال إعلانها , التي ربما ستنعكسُ بشكل سلبي على بعض الأبرياء كما يعتقدون, وهنا الحديث لا يقصد بما موجود في هذا الكتاب , إنما هو تحذير عام, وهذا الأمر يمكن التعبير عنه بالبديهيات التي تعتمدها مراكز توثيق الجرائم, من خلال اختيار فريق العمل الخاص بالاشتغال على الوثائق السرية, الذي يلتزم بكتمان الحديث عن بعض الوثائق .
  • يعتقد المحررون أنَّ تحليلَ التّسجيلات لأغراض تأريخية ينسجمُ مع القانون الدولي , لكن الإشكالية التي واجهها المحررون هي أنَّ هذه التسجيلات مستولى عليها, من ثَمَّ كيف يتمُّ تبرير الاشتغال عليها؟ إلا إنهم سرعان ما وجدوا تبريراً لذلك , من خلال مقاربتها مع تبرير التسجيلات التي تم الاستيلاء عليها في الحرب العالمية الثانية, التي تمت فيها استنساخ التسجيلات واجراء البحوث بشأنها, مع التأكيد أنَّ التّعاملَ يكون على وفق القانون الدولي الذي يتعامل مع هذه التسجيلات بوصفها ملكية عامة متنقلة يتم الاستيلاء عليها وتسمح بها الضروراتُ العسكرية, وهي تختلف عن الملكية الثقافية, على وفق ما ذكره المحررون .
  • عملوا على تنقيح أسماء الشخصيات التي لم تكن بارزة , وذلك خوفاً من الحاق الضرر بهم, وفي نسخ أخرى تكون طبق الأصل, وهذه هي إحدى القواعد التي تعتمد في الاشتغال على وثائق الجرائم .
  • عند حذف الاسم تكون هناك إشارة إلى ذلك كأن يوضع خط, أما في حال وجود عبارة غير مفهومة للمترجم فتوضع عبارة غير مسموعة .

النقاط أعلاه, يمكن عدّها معايير أخلاقية ينبغي الالتزام بها, وللتوضيح أن القانون الأميركي ينظرُ إلى مثل هذه التسجيلات بأنَّها غنائم حرب (الفقرة 50 من المادة الدستورية 2204 ) .

8- أضاف المحررون كلمة إضافية توضيحية بطريقة تميزها عن النص الأصلي .

9- تمت مراعاة استعمال الاسم الأول المستعمل في المجتمع العراقي, على العكس من المجتمع الغربي الذي يذكر اسم الأب أو العائلة .

10- إن أبرز التحديات تمثلت في تمييز أصوات المتحدثين أو تلميحات أخرى, وهذا الأمر وقع على عاتق المترجمين .

11- التسجيلات أحيانا ذات نوعية رديئة وتحتوي على ضوضاء جانبية .

12- مع الإشارة إلى الجهود الكبيرة من المحررين , إلا أنَّ العديد من الشخصيات المشاركة في التسجيلات ظلت مجهولة اسمائها, لعدم القدرة على تمييزها .

13-استخدام التقنيات الحديثة ربما ستساعد في تمييز الأشخاص من أصواتهم .

14- التعرف على الشخصيات الحاضرة غير المتحدثة صعب من خلال هذه التسجيلات دون الإشارة إلى أسمائهم .

15- التعريف بالشخصيات المعروفة الوارد ذكرُها في التسجيلات .

16- وثقوا التسجيلات الصوتية وقليلاً من التسجيلات الفيديوية .

على الرغم من الانتقائية في التعامل مع توثيق تسجيلات نظام صدام, إذ لا يجد الباحث كل ما يتعلق بجرائم تلك الحقبة , إلا أن الاشتغال في هذا الكتاب وهذه المنهجية أمر يحسب للمحررين وجهد كبير لمترجم الكتاب علي عبد الأمير صالح .