م.م محمد الخزاعي
العتبة العلوية المقدسة
الإعلام والتطرف….إشكالية العلاقة (3).
من يستخدم من ؟
تحت هذا العنوان يمكن لأي فرد أن يخوض مجالاً بحثياً واسعاً , يبحث فيه عن الحقيقة التي يهدف للعثور عليها , فما زالت المفاهيم والمصطلحات تتطاير في تحديد مفهوم واضح للتطرف أو الإرهاب بشكل عام , وهذا يؤثر حتى في تحديد العلاقة بين الإعلام والتطرف, وفي خضم هذا الصراع الفعلي نريد أن نقف على تبيان (من يستخدم من) هل أنَّ الإرهاب يستغل الإعلام أم أنَّ الإعلام يستغل الإرهاب من أجل الانتشار وارتفاع نسب المشاهدات.
وقبل الولوج في ذلك علينا أن نعترفَ بأنَّ يومًا بعد يوم يتزايد الدور البارز الذي تؤديه وسائل الإعلام المختلفة في تسهيل عمليات تجنيد الجماعات المتطرفة لعناصر إرهابية ، وكل الدراسات تشير إلى أنَّ هذا التنامي في التجديد ما كان له أن يحدث لولا استغلال هذه الجماعات المتطرفة لوسائل الإعلام المختلفة.
فعلى الرغم من القيم الإيجابية والتعاونية التي ارتبطت ببزوغ الفضاء السيبراني، فإنه سرعان ما ظهرت استخدامات غير صحيحة كشفت وجهًا سلبيًّا لتلك التطورات المذهلة ؛لا سيما مع تصاعد استغلال الجماعات الإرهابية للتكنولوجيا الحديثة ، ليس فقط على المستوى الميداني، بل على صعيد الإعلام والتواصل، وبث الأفكار، وتجنيد المتعاطفين، وأفرز ذلك جدالات نظرية عديدة بشأن ما سُمي “الإرهاب الإلكتروني” الذي يتخذ من مواقع الوسائل الاجتماعي ميداناً له في تجنيد العناصر الإرهابية.
ففي الوقت الذي تبذل وسائل الإعلام دوراً في مواجهة أفكار التطرف إلا أنها تسمح لنفسها _بوعي أو بغير وعي_ في رفد هذه الجماعات بخدمة مجانية في نشر أفكارها عبر مساعدتها في توجيه ضربات نفسية تستهدف معنويات المجتمع والفكر المعتدل وحاضنته الشعبية باعتبارها مصدر القوة لديه باستخدام أفراد ينتمون لهذا المجتمع ظاهريا ويحملون جنسيته ورقيا فقط فيما تطلق عليهم التجارب والسوابق الحربية اسم (الطابور الخامس ) هذا من جهة , ومن جهة أخرى نجد أنَّ أفراداً من القواعد الشعبية لهذا المجتمع _ غير الواعين بمخاطر التطرف المسموم الموجه من الخارج _ يقومون بالترويج اللاإرادي أو غير الواعي لها عبر صفحات التواصل الاجتماعي ، فيما ينتج حالة تعرف علميّا بدفع المستهدف إلى تحطيم نفسه ذاتيا أو هزيمته عن طريق نفسه وهذه الطريقة هي أضمن الاستراتيجيات وأرخصها إذ لا يتطلب من الجهة المستهدِفة سوى وضع الطعم ونصب الفخ للجهة المستهدَفة .
فهناك مهام ووظائف ينبغي للإعلام بشكله الجديد أن يقوم بها ، ولا تقتصر على مواجهة مستوى معين أو نمط واحد من أنماط التطرف، بل يجب أن تمثِّلَ إطارًا شاملًا لدور توعوي واحتوائي كبير، من شأنه زرع مقدمات أساسية لتجفيف منابع كل أشكال واتجاهات التطرف من جذورها.
وعليه يجب أن تقوم المؤسسات الإعلامية بجهود كثيرة لتعزيز التسامح ومعالجة الأسباب الجذرية للتطرف وعلى الوسائل التي تؤدي إلى التطرف، عبر بثِّ روح التسامح في المجتمع وترسيخ ثقافة الانفتاح والحوار وتقبل الآخر , ونبذ التعصب والتطرف والانغلاق الفكري وكل مظاهر التمييز بين الناس, وأن تعمل وسائل الإعلام بشكلها الجديد على تعزيز التفكير النقدي لدى فئات المجتمع المختلفة، خصوصًا في مراحل التشكّل العقلي والوجداني والتحليل المتعمق بدءًا من الطفولة وصولًا إلى مرحلة الشباب، لتأسيس جيل غير قابل للانقياد وراء الأفكار المتطرفة دون تمحيص وفرز وتقييم للغثّ من السمين.