أ.م. د. رائد عبيس كلية الآداب
جامعة الكوفة Raeed.aljumaili@uokufa.edu.iq
قد نألف تعاوناً مجتمعيّاً مع جهاتٍ حكوميةٍ أو منظماتٍ مجتمعيةٍ ، في كثيرٍ من النشاطاتِ التي يُطلبُ من المواطن المشاركة بها بصفة متعاون ، أو متطوع، أو قد يبادر المواطنُ نفسُهُ إلى تلك الجهات بطلب المشاركة لتحقيق فائدة معينة.
ولا شك أن فوائدَ هذا التعاون قد تكون قريبة الأثر، وقد تكون بعيدة ، ضمن استراتيجيات تعزيز الشراكة، ومحاولة ربط جسور الثقة بين أبناء المجتمع والجهات التي تطلب التعاون.
ولكن ما هو غير مألوف ، أن نجدَ أواصرَ علاقة بين المواطن وبين المراكز المعنية بتوثيق جرائم التطرف، أو المراكز التي لها اهتمامٌ بدراسة آثار التّطرف والإرهاب على نحو خاص، أو المراكز البحثية على نحو عام.
كثيراً ما نفقدُ معلوماتٍ ، ووثائقَ ، وحيثياتٍ ، ودلائلَ ، بسبب عدم وجود ثقة بين المواطن وبين المراكز البحثية؛ وربما يعودُ ذلك إلى الفوبيا الراكزة في مخيّلة وقناعة المواطن اتجاه تلك المراكز، بسبب ارتباطها بالأنظمة القاتلة ؛ وربما بسبب جهل المواطن بمهام تلك المراكز ودورِها في حفظِ الوثائق والمحافظة عليها، أو بسبب عدم انفتاح تلك المراكز على المجتمع مما أوجدت قطيعة بينها وبين المواطنين، أو ربما عدم استقلالية تلك المراكز وتبعيتها الحزبية المحلية ، أو ارتباطها بالمحيط الإقليمي ودول كبرى ومراكز عالمية ، جعلَ المواطنُ يتريب منها ويتخوّف من علاقته بها، فكثير من أفراد المجتمع العراقي _مثلاً _ يجهلُ طبيعةَ عمل تلك المراكز وأهميّتها في خلق وعي بالمهام المناطة بها، وإن كان على علم بذلك فهو يقاطعها ولا يتعاون معها للأسباب التي ذكرناها أعلاه.
وإذا كنا نبحثُ عن وثائقَ لأرشفتِها ، ومعلوماتٍ لتدوينِها ، بشهاداتٍ ، ودلائلَ، ومواقعَ، وآثار، علينا أن نسعى لكسب ثقة المواطن، ونعزّز اطمئنانه بالمهام الشرعية، والإنسانية ، والقانونية، والتأريخية لهذه المراكز، وأن نؤكّدَ المسؤوليةَ الوطنيةَ بتلك المهام وذلك الجهد من منطلق المسؤولية التشاركية التي تكتملُ بالعلاقة بين المجتمع وتلك المراكز؛ ولاسيما مراكز توثيق جرائم التطرف والتطرف العنيف، وهذا بالتأكيد يحتاج إلى جهدٍ تعريفيٍّ كبيرٍ من قبل تلك المراكز بنفسِها أمام المجتمع، وأمام الجهات الحكومية الرسمية، والمنظمات المجتمعية، والمنظمات الدولية.
وبحاجة كذلك إلى جهد حكومي بتكثف دعوات التعاون مع المراكز المعنية بمحاربة التطرف وتوثيق جرائمه، وبكلّ المراكز الأخرى المعنية بدراسة مشكلات الواقع المجتمعي العراقي، عبر الاستبيان واستطلاع الرأي، ونقل المعلومات والإخبار عنها، والرصيد المجتمعي للظواهر السلبية والأفكار المنحرفة، وتكثيف الورش، والدورات، واللقاءات، والتعاون في الكشف عن الوثائق الخاصة والعامة المتوفرة لديهم وتزويد تلك المراكز بها.
فثقافةُ التعاون مع المراكز البحثية ، يجب أن تسودَ وتشاع ، وتصبح جزءًا من ثقافة الجميع، ليكون هناك إسهام في وضع الحلول اللازمة، ودرء أي خطر ملّم بالمجتمع.
كما أنَّ على تلك المراكز المعنية أن توسّعَ من فرقِها المختصة من اختراق السكون الاجتماعي اتجاهها ، وخلق حالة تعايش تنعش العلاقة بينهما ، وتستظهر من كوامن المجتمع كثيراً من ذكريات الأرشفة الشفوية منها أو المكتوبة، أو المصورة، أوالمسجلة.
ممكن أن نجملَ القولَ بعدة نقاط تبيّن أهميةَ التعاون الاستثنائي بين المجتمع والمراكز البحثية ومراكز توثيق جرائم التطرف على نحو خاص ، لتحقيق السلم الأهلي وحماية المجتمع :
- سهولة دراسة الظواهر الاجتماعية ؛ لأنَّها تشارك المعطيات بشكل مباشر.
- تعزز من موثوقية التوثيق من خلال تنوع مصادره وسلامة معلوماته.
- يسهم في تعميق الثقة بين المجتمع ومراكز البحث والتوثيق، كجهات أمينة على الوثائق وأمن المجتمع ومعالجة مشاكله.
- رصانة وجدية هذه المراكز تجعلها بديلا عن الجهات الرسمية، فيما لو تعذر التعاون معها، من قبل المواطن في نقل المعلومات، وكشف الوثائق.
- الصفة العلمية لهذه المراكز تجعل من علاقة المجتمع بها بداية لتكوين مجتمع معرفي يثق بمراكزه ومؤسساتها العلمية والمعرفية، في معالجة مشكلة وحفظ تراثه، بكونها جهات محايدة.
- الاستقلالية المالية لهذه للمراكز توفر فرص علاقة متفاعلة وموثوقة بعيدا عن شبهات التبعية.
- الصفة الوطنية لهذه المراكز تعزز هوية المجتمع الثقافية، وتدعم وحدته من خلال وحدة موضوعها وتنوع عيناته.