مدارسُ التّطرفِ العنيف(الحلقة٣)

 

مدارسُ التّطرف العنيف( الحلقة ٣)

الأستاذ المساعد الدكتور رائد عبيس

لكلمةِ مدرسة دلالةٌ تعليميّةٌ، وتنظيميّةٌ ، ومتبنياتٌ فكريّة ، ومنهجياتٌ متبعة، وخلفياتٌ مرجعية، وتطلعاتٌ مستقبلية ،  تحاولُ بها أن ترسِّخَ شيئاً من تلك الفرضيّةِ التي أُنشِئت على أساسِها، لتتركَ أثراً ما فِي الوعي البشري.

         فالتكوينُ المعرفيُّ للمدرسة ، والكياني الوجودي القائم( المؤسساتي ) أو الاعتباري التبعي ، يتركُ في نفسِ المتعلّمِ شيئاً من الذاكرةِ الفعّالةِ  اتّجاه متبنياته الشخصيّةِ، أو الاجتماعية و لا سيما لو تَرَكَت هذه المدرسةُ شيئاً من الوعي على أجيالِها.

          ويَتَشكّلُ الوعي واللاوعي عند المعلمِ التابعِ لهذهِ المدرسةِ وطالبِها بطريقةٍ مباشرةٍ وغيرِ مباشرة ، مخلّفاً وراءه تبعيةً اعتباطيةً بصفةٍ تأريخيّةٍ ، وعقائدية ،  وفكرية ، وسلوكية , مثل المدارس العقائدية التي تؤمنُ بسلطةِ النصِّ المقدس، أو نصِّ الرواية ، أو الحديث ورجالاته.

   والانتماء لهذه المدارس يأتي بطريقةِ التقليدِ العام ، أو بطريقةِ التقليدِ الفقهي ، أو الفكري ، أو التنظيمي , وبسببِ هذه التبعيات قد تترك هذه المدارسُ طابعَ الغلو، أو طابعَ العقلانية على أتباعِها بشكلٍّ قصديٍّ أو بشكلٍّ فرديّ لا يمثلُ توجهها.

         وهناك مدارسُ تأريخيةٌ تؤمنُ بنسخِ الحدث والتجربة ونقلِها، بفكر قروسطي بحت, قد يختلطُ بها التفكيرُ الدّيني وموروثاتُهُ وأدبياتُهُ ، وَيَبقَى فيها الوعيُّ حبيسَ تأريخانيتهِ  بصفة اللاوعي اتجاه قيمة العقلانية ،  وفيها تكثرُ الممارساتُ بشواهد التأريخ، وأحداثه ، ورواياته، بغض النظر عن واقعيتِها، وقيمتِها، وشرعيتِها، ومقبوليتِها، في الوعي الجديد, وغالباً ما تحملُ بعضُ هذه المدارس صفةً وأهدافاً سياسيّةً، تحاولُ من خلالها أن تسيّسَ كلَّ ما تقدّم وتدمجَ في مشاريعها المعلنة وغير المعلنة  ما تؤسس له , حتى المدارس الفقهية  التي تؤمنُ بفقهِ النصِّ والتفسير الظاهر منه, وهنا تكمنُ خطورةُ مثلِ هذه المدارس التي تحاولُ بطريقةٍ ما أن تشرعنَ لنفسِها مهامَ الفتوى والأحكام الطائفية ،  لتكون جزءًا من وسائل انتقامٍ طائفيّ ،  وحقد اجتماعي، وفتاوى سياسيّة، أو تكفيرية تخريبية بشكلٍّ محسوب أو غير محسوب ، وضمن أجندات دولية، أو إقليمية، أو محلية عابثة.

        ولو سألنا ، ما سببُ تنامي التّطرف العنيف ذي الوصف التأريخي؟ لكان الجواب هو وجودُ مدارس تُغذي  وتُلقِّن متعلميها  تجاربَ العنف الطائفي بسردياتهِ الواقعيّةِ والمتخيلة على أسناد مغلوطة.

والعلاجُ الواقعيّ لمثلِ هذا الارتهان لسردياتِ التأريخ الكبرى، هو تهذيبُ المناهج الدراسية، وتنظيفُها وإزالة كلّ ما هو غير منطقي وعقلاني، فالحقُّ لا نسبيةَ فيه.