أ.م. د. رائد عبيس كلية الآداب
جامعة الكوفة Raeed.aljumaili@uokufa.edu.iq
التعليم ومدارس التطرف العنيف ( الحلقة ٢)
يعدُّ التعليمُ ركيزةً أساسيّة في التحرر من كلّ ما يقيد حرية الفرد ويمسخ هويته، وهنا نقصد بالتعليم، التعليم المحايد، المعتدل، العقلاني، البعيد عن تأثير السياسة، وايديولوجيتها، أو سيطرة التوجهات المتطرفة عليه.
فعندما يكون التعليم بيد الدولة المدنية و تعتمد به سياسة منهجية واضحة ، من دون أي ميل، أو توجه خاص على حساب التوجهات الأخرى، مثل ثقافة الأقليات، أو المكونات، أو اختلاف اللغات في البلد الواحد، ومراعية فيه التنوع ، والاختلاف ، وخصوصية كل الثقافات , فإنَّها تكون قد عززت هوية الاعتدال عند مواطنيها ، وهذا يحتاج منها إلى رؤية تعليمية ثابتة تجاه مواطنيها من دون ممارسات اقصائية ، أو فرض سياسات تبجيلية، أو تمجيدية، أو أدلجة , ويتطلب أيضاً تكثيف برامج التعليم على أُسسِ المواطنة, واحترام التعايش ، والاختلاف، والتنوع ، وحرية الاعتقاد ، والأفكار ، بشكلٍ عام على كلِّ طلبة وشباب البلد الواحد ، لتوحيد نمط واعٍ من الشعور العام بالمواطنة , ومشتركاتها فيما بينهم ، كي تتلاشى الفوارق الطبقية، والعنصرية ، والطائفية ، والدينية، والسياسية وغيرها , فحالة المشاركة المسالمة بين أبناء البلد الواحد ، هي ما تساعد على المحاربة الناعمة لبراثن التطرف العنيف ونموه وتطوره , نجد إلى جانب نظام الدولة التعليمي المراقب في العادة بشكل رسمي مدارس أخرى تنشط في المساكن، والبيوت، أو المساجد، أو الجوامع، أو المدارس الدينية خارج رقابة الدولة وتتمتع بالاستقلالية عن رعايتها , هذا التعليم الحر تقريباً قد يشكل خطورة في تغذية الفكر المتطرّف، والتطرف العنيف، إذا لم يعتمد منهجية حكيمة، ومسالمة، ومعتدلة بعيداً عن نوازع العدائية، والفكر الدوغمائي المتعصب الذي يتحول بدوافع مختلفة إلى ممارسة عنيفة، بخلفية هذا الفكر وبأثر هذا التعليم الذي ينمي التطرف في نفوس وعقول المتعلمين.
فالتعليم بالمدارس غير النظامية ، يتيح للجماعات المتعصبة أن تنمي هذا النمط من الفكر في عقول أبنائها ، وقد تحوله إلى سلوك متطرف عنيف تجاه الآخرين بسبب ضيق القناعات ، وجمود الاعتقادات ، والفهم الآحادي البعد ، الذي من شأنه تقوية إلغائية للآخر المختلف, ويوجد القطيعة بين أتباع الدين الواحد لمجرد أنه مختلف عنه طائفياً أو فهمياً.
فالمدرسةُ الأولى للفرد هو البيت , يجب أن يتمتعَ بروح المسالمة، والتصالح مع الذات، وحب الآخرين، وقبول المختلف، ورفض روح العدائية، والتعامل بأخلاق المسامحة , وتوفر هذا البعد كفيل باختيار مدارس، ومعلمين، يتمتعون بالعقلانية، والاعتدال في فكرهم الديني، والاجتماعي، والسياسي، حتى لا تخلق حالة من الاستبطان المتوارث للعنف والعدائية القاتلة في ثقافة أجيالنا.