ataba_head

وراثة الشر

المهندس ميثم مهدي الخلخالي

لايزال الحس الدموي نابضا في نفوس الاشرار ولم تكن لتهدأ تلك النفوس مادام فيها حجاجا ملهما وقبله اربابا للشر بنوا صروح الدماء بجماجم الاخيار والصلحاء فتمر بنا اطيافهم عبر التاريخ ملطخة بدماء الإمام الحسين( عليه السلام) وأهل بيته وأصحابه ومن بعده كل النفوس الخيرة فلازال صدى صوت ابن عفيف الازدي مدويا في سماء الدكتاتوريات ( أِن الكذاب ابن الكذاب أنت وأبوك ومن استعملك وأبوه ) ليعلم ابن زياد أنَّه أمام قلوب ارتبطت وثيقا بحب الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) وبنيه (عليهم السلام) وليس لهم أن يتركوه حتى وإن كان السيف أقرب إليهم من حبل الوريد لتتدحرج رؤوس الرافضين للطغاة في ممر الحرية الموحش لقلة سالكيه, فالحجاج الثقفي يسير بركابه متعطشا للإجرام مناديا (والله لاحزمنكم حزم السلمة ولاضربنكم ضرب غرائب الإبل) ليكبو بصخرة الولاء ابن جبير فيدرك حينها ان للطغاة نهاية نكراء وإن طالت سلامتهم.
لايغفو التأريخ على هؤلاء فقط، بل بقي متقد الذهن ماسكا دواته يسجل عواجل الأنباء من أفعال طغاة دهورهم فالحرب الدائمة كانت قبل قرون من هذا اليوم بين أتباع الولاء والدين السليم أتباع الإمام علي والإمام الحسين (عليهما السلام) وبين بغاة العصور في مدرسة بني امية الطروبين على ترنيمتهم (ولاتبقوا لأهل هذه البيت باقية!) فتُحترق الخيام ولمّا تنطفيء على طول كل هذه القرون.

ويشير علماء الاجتماع الى أنَّ المجتمع كالفرد له طبائع وخصائص وصفات كما تكون له المواصفات التي يُعرف بها وهنا تقرتب هذه النظرية إلى أرض الواقع أكثر حينما نعكسها على قوى الشر والظلام المتعاقبة فنجد ان للحكومات الدكتاتورية والظالمة صفات وطبائع الفرد الشرير الذي يأنس بالقتل والتسلط وارهاب الناس وهذا ما نجده واضحا في حكومة البعث الفاشي كوريث شرعي للشر عبر القرون لتضع من الشيعة مرمى نبالهم الوحيد فتكالبوا لايفترون بوضع الخطط الفتاكة لمحاصرتهم وطمس هويتهم ومحق تراثهم فتمتد ايدي الاجرام البعثي الخبيث وتقلب صفحات التاريخ السوداء التي سطرت مفاخر اسيادهم بحروف من دم يعجز المرتزقة من محوها لتكون لهم بصمتهم بتلك الصفحات بصولاتهم الرهيبة في مضامير الاجرام والتعذيب لتعتقل وتشرد وتعدم خيرة الشباب الواعي والمفكر وبعد ان قامت بحملات التصفية الممنهجة ضد العلماء وأبناءهم والشباب المؤمن الرافض لمظاهر الظلم ابتداءً من بدايات تسلمهم للحكم حيث كانت رؤيتهم عالية السُمّية تجاه المرجعية في النجف والعمل على تسقيطها والضغط على كل أدواتها للتخلص والحد من نشاطها الذي مافتر طوال كل تلك السنين حيث قامت بأعدام أول كوكبة من شباب رجال الدين المؤمنين في مطلع حكمهم المشؤوم ومطاردة اتباعهم قتلاً واعتقالاً طوال سبعينيات القرن المنصرم كما كان أجرامهم بمنع الشعائر الحسينية من أولويات منهجهم الهدام لتنفجر انتفاضة صفر العفوية كرد فعل ضد هذه التصرفات التي قابلها البعث بأعتى وسائل القمع والقتل فقتلهم وأعتقلهم بحرفية دموية نكراء ومن بعدها زادت لذة البعث لنهش لحوم الابرياء وخصوصا بعد ان تسلم صدام سلطته المشؤومة لتتسع عمليات الاعتقال وتشمل كل العوائل الدينية والشباب المؤمن فكانت على شكل حملات واسعة وكبيرة إمتلات بهم السجون وأعدمت أسماء لامعة من رجال الحوزة العلمية الاخيار وخطباء المنبر الحسيني والتي تطول القائمة بذكرهم موهما نفسه أنَّه يحاكي بذلك أسلافه من الطغاة فخراً وانتصارا ولا يدري أنَّ صدى صوت أتباع أهل البيت(عليهم السلام) يعلو شيئا فشيئا بـ( والله لاتمحو ذكرنا ) كلّما ارتُكِبت مجزرة أو اُدخِل اقبيته حشد جديد من الابرياء فقام بأعمال تصفية مستمرة طوال فترة الثمانينات بحق أتباع مدرسة الولاء العلوي من رجال الحوزة والعلماء والشباب الواعي لتبدا صفحة الإنتفاضة الشعبانية التي تعتبر من أكثر صفحات البعث اسوداداً واجراماً حينما خرج الشعب رافضاً لسياسات حاكمه المشينة وأعماله الإجرامية فهب ابناء الجنوب والوسط بعد الانتكاسة الرهيبة لنظام صدام والبعث لاقتلاع ذلك النظام الغاشم فما كان من البعث إلا أن يكشرعن أنيابه التي ادخرها لأوقاته العصيبة ضمن مكنوناته النادرة ليقوم بنهش جسد المحافظات الشيعية جميعها دون أن تسلم واحدة منه دون أن تكون هنالك علامة دالة على اجرامهم الفريد ليستخدم حملات التجريف البشرية فتكون المقابر الجماعية شاهداً عظيماً يأن عبر التاريخ من حجم دموية النظام البعثي المجرم إذ زاحم الأحياءُ الامواتَ تلك المقابر فكانت وساماً رهيباً من اشلاء الضحايا تتبارى به أمام طغاة التاريخ, ولم تكن مناظر اكتساح الجيش البعثي للمدن والاستيلاء عليها الا مشهداً من أكثر المشاهد بؤسا اذ تساقطت صواريخ المدفعية والراجمات لتهدم البيوت والقرى ولتدك خاسئة قباب العتبات المقدسة وابوابها ومنائرها ورصاص الاجرام على مراقد وأضرحة الائمة( عليهم السلام) فصول مطولة من قصة لم تنتهِ عن اجرام البعث التي امتدت طوال التسعينات حتى سقوط هذا النظام المقيت وسجل الاغتيالات للعلماء وتهجير العوائل عبر الحدود وما إختزنته من قصص مؤلمة يكاد لايتسع من هول تلك الجرائم. وليبقى التاريخ حياً باصوات الاحرار لا اقلام الطغاة المأجورة يجب ان لاننسى ان هنالك احداث لابد من ان تدون ووقائع لابد من ان تسرد بأمانة وجرائم لايمكن نسيانها لتبقى شاهدا عبر الاجيال فيكون التوثيق لها خير وسيلة محفوظة عبر العصور وحقيقة لايمكن محقها مهما حاول المرتزقة واصحاب الاقلام المأجورة طمسها عبر الدهور .