سياسة الخوف مرتكزٌ لجرائم حزب البعث في العراق
د. قيس ناصر راهي
مركز الدراسات البصرة والخليج العربي – جامعة البصرة
لم تكن عبارة سياسة الخوف من صناعة الكاتب, فهي رائجة الاستعمال في العالم الناطق للغة الانجليزية, وإن قل استعمالها في العالم العربي, فالخوف السياسي وإن لا يُعد خارجاً عن نطاق السياسة, بل هو أداة سياسية, أي إنه أداة حكم النخبة أو من يعارضها, لمساعدتهم في تحقيق أهدافهم, أما سياسة الخوف فيمكن أن يُشكلّها السياسي, وهي تستعمل لصناعة فوبيا من أمر ما. وفيما يتعلق بشكل سياسة الخوف التي مارسها حزب البعث المقبور في العراق, فإنها باختصار لا تُعنى بتخويف الناس من خطر متوقع, بقدر ما تهدف إلى صناعة إنسان خائف .
لقد كان مشروع البعث هو تحطيم الواقع الاجتماعي الموروث إلى مجموعة جديدة من العناصر المؤلفة المتماثلة الوزن, على وصف أحد الكُتّاب: أفراد خائفون بلا جذور, مغتربون عن جماعتهم التقليدية القرابة, القبيلة, الطائفية, والطبقة, سيعاد تشكيلهم مرة أخرى, بعد ذلك تجميع تلك الشظايا, داخل شبكة جديدة من الصلات المتمركزة في الدولة. وإذا كانت دولة البعث اعتمدت هذا النهج, إلا إنها قد تركته في التسعينيات, إذ أُعيد الاهتمام بالقبيلة, فضلاً عن سلوكياتها الطائفية بعد عام 1979م وربما قبل هذا التاريخ, حين تحول الحكم إلى حكم القرابة, ولم يقف الأمر عند هذا الحد, بل شملت سياستهم الطبقة الاقتصادية فغيروها إلى طبقة أخرى تنسجم مع تطلعات البعث في ايجاد طبقة جديدة, وفي الوقت نفسه, اقصاء للتجار ممن ينتمون الى مذهب أو قومية لا ينسجم معهم .
ولا يمكن انكار توظيف العنف في سياسة الخوف, إذ إنه ساهم في تشكيل الخوف عند العراقيين في ظل سلطة البعث, وهنا ينبغي الاشارة إلى إن العقود الأخيرة من القرن العشرين وعلى مستوى الفكر العالمي, قد توجهت فيها أبحاث المختصين بالدراسات الانسانية والاجتماعية نحو فهم العنف الذي جرى في أغلب دول العالم, إلا إن عُنف حزب البعث يبقى متميزاً, فهو محلي ولم يفرض من قوة خارجية, ويرجع ذلك إلى البداوة والثقافة التي تغذيه, وهذا القول ينطبق على حقبة البعث كما ذكرنا, أما ما بعد حزب البعث فلم يعُد العنف محلياً, إذ ساهمت دول عديدة بتصديره الى العراق من خلال افراد وجماعات بأشكال متجددة .
والجانب الآخر لأدوات سياسة الخوف هي القسوة, التي يعرفها أحد الباحثين العراقيين المشتغلين بدراستها بقوله: أنها التعذيب المنظم في أقصى الحدود الموجهة للجسد أو النفس وبطريقة تتحدى الفطرة السليمة والعقل، وهنا ينبغي تمييزها عن العنف الذي لا يعد معادلاً لها, لأن القسوة تتضمن بالضرورة استخدام العنف, وفي الوقت نفسه تهدف الى تدمير شامل للضحية جسدياً ونفسياً .
ختاماً, إن الأمر الذي ينبغي الاهتمام به ليس الوقوف عند وصف ما جرى فحسب, بل محاولة الوصول الى المغزى الذي سعى من خلاله نظام حزب البعث حين اعتمد على سياسة الخوف من اجل اعادة تشكيل الانسان العراقي وفق ما يريده هو. نعم, لا يمكن انكار فشله في تعميم سياسته على جميع العراقيين, إلا إنه نجح في التأسيس لسياسة ماثلة إلى اليوم ومؤثرة في جزء من شخصية الفرد العراقي على الأقل مع بعض من عاش تلك الفترة .