ataba_head

الإعلام والتطرف….إشكالية العلاقة  (1)

الإعلام والتطرف….إشكالية العلاقة  (1)

م.م محمد جاسم الخزاعي 

جامعة الكوفة

إنَّ المتتبعَ لوسائل الإعلام بكافة أشكالِها وجوانبِها يجدُ أنَّ مصطلحاتٍ كالإرهاب ، والتطرُّف ، والعنف ، و التكفير ، و الإقصاء، و التعصب ، هي أكثرُ ما يتمُّ تداولُهُ في الإعلام الرقمي والأفلام الوثائقية والبرامج التلفزيونية والنشرات الإخبارية و مواقع التواصل الاجتماعي، فمشكلة التطرُّف أصبحت ظاهرةً عالميّةً تُهددُ السَّلام العالمي، وتعاني منها المجتمعاتُ الإنسانية جمعاء، إذ أنَّها واحدة من أكبر الأزمات التي تواجه المجتمعات البشرية في العصر الحالي، والذي أصبح حقيقةً أن لا أحداً يملكُ القدرةَ على تجاهلها أو تجاوزها، وبذلك أصبح التطرُّف من أكثر الابتلاءات التي ابتليت بها الشعوبُ على مرِّ التأريخ .

    لِذا أصبح لزاماً علينا الوقوف عند هذه (الأزمة) ومعالجتها؛ لأنَّ تأثيرَها لا يمكنُ أن يقفَ عند عصرنا الحاضر، بل سيمتدُّ إلى الأجيال المقبلة، والمتتبع لكلِّ من امتهنَ التطرُّف سواء أكانوا أفراداً أم جماعات يجد أنَّهم عملوا على استقطاب المناصرين لهم من خلال استغلال التطور التكنولوجي الحاصل في وسائل الإعلام المختلفة في بثِّ فكرها التدميري الذي يستحوذُ على اهتمام وسائل الإعلام و الذي دون شكٍّ أصبح من حيث يدري أو لا يدري السلاح الأقوى بيد هذه الجماعات المتطرفة.

و مع الإنفجار المفاجئ لمحتوى الإعلام بصورةٍ عامّة وسهولة آليات الوصول للمعلومة  لم يحظى موضوع العلاقة بين التطرُّف والإعلام إلاّ باهتمام قليل من الباحثين؛ وذلك على الرغم من أنَّ المختصين بالدراسات الإعلامية والمهتمين بشؤون التطرُّف والإرهاب في المراكز البحثية يتفقون على أنَّ هناك علاقةً متبادلةً بين الإعلام والإرهاب، ويرون أنَّ هذه العلاقة أصبحت في يومنا تشبه شراكة بين مؤسستين أحداهما تقوم بصنع الحدث والأخرى تسوّقه تسويقاً محترفاً، فالإعلامُ  كما يُقال أصبح كالأوكسجين للتطرف، إذ لا يمكنُ أن يستغني عنه باعتباره الطريق الأقصر والأقل تكلفة في إيصال أفكاره ومسوغاته الإلغائية التي مع اتساع نطاق التأثيرات والتداعيات المتلاحقة لها ونقص المعلومات المتوفرة عنها تجد طريقها نحو العقول التي تكون أرضاً رخوة _أحياناً_ لاستقبالها، وكل هذه العوامل تُظهرُ وسائلَ الإعلام كمصدرٍ رئيس للحصول على المعلومات المتعلّقة بالأحداث التي تقومُ بها الجماعاتُ المتطرّفةُ، وبالتالي تؤثر تأثيراً كبيراً في اتجاهات الجمهور إزاءها، ولا سيما في ظل وصف الإعلاميين والصحفيين لهذه الأحداث بأنها ذات قيمة إخبارية كبيرة كونها تحتوي على قدر متزايد من الصراع، مما يساهم _في نظرهم_ من زيادة جذب المشاهدات والاهتمام نحو هذه الوسيلة الإعلامية أو تلك.

ومما لا شكَّ فيه أنَّ الدور الإعلامي في التغطية والمعالجة لقضايا التطرُّف من أهمَّ الأدوار التي ينبغي الاهتمام به؛ لما له من تأثيرٍ كبيرٍ في توجيه الرأي العام الوجهة الرشيدة ؛ لكن يجب أن تعمل المؤسسات الإعلامية على صياغة خطاب إعلاميّ معتدل ومتزن بما يُسهم في خلق الشخصية الإيجابية المعتدلة والمتوازنة، ومعالجة الانحراف الفكري والنفسي والذي ينتج عنه _بطبيعة الحال_ التمردُ على قِيم المجتمع والانحراف نحو سلوكيات التطرُّف، وهذا ما تنشده الجماعات المتطرفة في تسويق خطابها المتطرف؛ لذلك فنحن بحاجة ماسّة إلى صياغة خطاب إعلامي معتدل يقوم بدور التوعية، وتصحيح المفاهيم الخاطئة التي ما تنفكُّ تُنشر في الوسائل الإعلامية المختلفة، ويقاوم التطرُّف بطريقة يقتلعُ من خلالها مخالبَ التطرُّف في استغلال وسائل الإعلام، ولعلَّ كل ما سبق من ضوابط يستلزم عقد دورات تدريبة ومهنية للعاملين في المؤسسات الإعلامية على أساسيات العمل الإعلامي واحترامه، والالتزام بالمعايير الأخلاقية والمهنية في التغطية الصحفية والمعالجة الإعلامية لكل ما يتعلق بقضايا التطرُّف لتفويت الفرصة على التطرُّف للاستئثار بالعرض الإعلامي (الشو الإعلامي)  الذي يسعى إليه، ومن أجل كل ما سبق؛ فنحن في أشد الحاجة إلى تغطية صحفية ومعالجة إعلامية تتخذ الصدق والبحث والتقصي الدقيق منهاجاً لا يفارقها، من خلال صدق الكلمة، صدق الحكم، والأهم صدق النوايا .