ataba_head

دور شبكات التواصل الاجتماعي في نشر التطرف

دور شبكات التواصل الاجتماعي في نشر التطرف:

د. احسان محمد هادي

 

     تزداد أهمية تكنلوجيا الاتصالات في عصرنا الحديث فهي تؤدي اليوم أدواراً متعددة على عدة مستويات من سياسي اقتصادي اجتماعي  ثقافي  مهمة جداً, فقد استطاع الفضاء السبراني الذي كونه الأنترنيت ان يجمع أفراد ينتمون إلى عدة هويات مختلفة من شتى بقاع الأرض لتحقيق أهداف معينة, فمن الصعوبة جمعهم لولا هذا الفضاء السبراني الذي استطاع ان يختصر الزمان ويقرب المكان ورخص تكلفته وسهولة استخدامه وصعوبة الملاحقة من قبل الجهات الأمنية الأمر الذي جعلها أداة فاعلة بيد المتطرفين, وتعد الجماعات المتطرفة في الغرب من أوائل الذين استخدموا العمل الإلكتروني ففي عام 1985 استخدم “توم Tom Metzger” أحد اشهر المتطرفين الأمريكيين العنصريين الذي ينتمي إلى “اليمين المتطرف” فقد أسس مجموعة بريدية الكترونية للتواصل ونقل أفكاره ولحقه بعده العديد من الجماعات المتطرفة في الولايات المتحدة الأمريكية خاصة وفي أوربا عامة.

     استخدمت التنظيمات المتطرفة هذه المساحة الفسيحة التي وفرها الأنترنيت وحولت مواقع التواصل الاجتماعي ساحة لها لأجل نشر أجنداتها وبث سمومها القاتلة لتمكنها من تجنيد مقاتلين واستقطاب عناصر جديدة عن طريق التأثير والأقناع وعمليات غسل الدماغ المدروسة مستغلة ضعف الوازع الديني لدى بعض الشباب والمراهقين الذين يفتقدون للحصانة الفكرية والثقافية.

     فشبكات التواصل الاجتماعي تعد أحد الأسباب الرئيسة لانتشار الفكر المتطرف, فهي توفر بيئة خصبة لنشر الأفكار الهدامة وبث خطب الكراهية وزرع الطائفية واتخاذ التطرف كمنهج والتحريض ونشر السلوكيات العنيفة من جرائم القتل وبث الإعلانات الدعائية المزيفة للإرهاب, فقد عملت التنظيمات المتطرفة عبر العصور على استغلال الأعلام وأدواته المتاحة في كل زمان للترويج عن أجنداتها داخل المجتمع فاستغل الإرهابيون الأوائل فنون البلاغة والخطابة والشعر باعتبارها من أهم أدوات التأثير كما استغل الإرهابيون المعاصرون نفس الفنون وأضافوا إليها تقنيات حديثة التي وفرها لهم التطور التكنلوجي من مونتاج وإخراج لبث أناشيدهم الحماسية وتصوير عملياتهم الإرهابية لبث الرعب في المجتمع, فقد جاء في كتاب “إدارة التوحش” لاحد منظري الجماعات المتطرفة التي تعرف بما يسمى “داعش” والتي استندت عليه في عملها الإرهابي جاء فيه:” ينبغي عند صياغة مادة إعلامية التركيز على التخيل الصحيح لعقلية العوام, والأفكار التي تعوقهم للالتحاق بصفوفنا خصوصاً من لهم طريقة مختلفة بالتفكير والعاطفة”, كما جاء في نفس الكتاب أيضاً: “علينا أن نبتكر الوسائل الإعلامية الفعالة, لكي يصل ما نريده إلى الناس بدون تعقيد, وتصل موادنا الإعلامية إلى كل بيت وفئة عمرية, لذلك لجأ هذا التنظيم المتطرف بكل ثقله على استخدام المقاطع المرئية والأناشيد الحماسية لإحداث تأثير نفسي من جانبين الأول لكسب أفراد لها وبث الرعب في نفوس المجتمع.

     وبحسب التقارير الصادرة عن مراكز أكاديمية وعلمية متخصصة في مجال مكافحة الفكر المتطرف تفيد بأن تنظيم ما يسمى ﺑ”داعش” يستحوذ مقارنة بالتنظيمات الإرهابية الأخرى المساحة الأكبر في مجال الأنترنيت, وإنه يتصف باللامركزية بعمله من خلال تعدد ما يسمى “الولايات” لضمان عدم توقف نشاطه الاعلامي ولبثها من عدة أماكن إلا أنه في الآونة الخيرة بعد الهزائم العسكرية التي تلقاها التنظيم في العراق وسوريا والتي قضت عليه ولم تبق منه سوى بعض الجيوب في الأماكن الوعرة والتي يتلقى فيها كل يوم ضربة الأمر الذي أدى إلى تعطيل ماكنة التنظيم الإعلامية وتوقف عدستها عن تصوير محتويات العنف من قتل وترهيب وعمليات إرهابيه, وكذلك عملت الجهات الأمنية الرسمية من القيام بعمليات نوعية لأجل تجفيف منابع التمويل وأيضاً القضاء واعتقال الكثير من العناصر المحترفة التي كان يستند عليها هذا التنظيم الإرهابي بإنتاج وإخراج المقاطع المروعة.

     كما عملت الدول بالضغط الشركات المالكة لشبكات التواصل الاجتماعي بعد اتخاذ عدة قرارات صارم ضد هذه الشركات التي من خلالها ينشر التطرف والكراهية والترويج للإرهاب التي انتشر فيها فقد عملت تلك الشركات على إيقاف حسابات التي تدعو إلى التطرف والتي يستخدمها هذا التنظيم ومراقبتها وحذف أي محتوى فور تصنيفه الأمر الذي جعل هناك انحساراً لموجة النشر التي نشط فيها.

     إن محاربة التطرف فكرياً وإعلامياً لا تقل أهمية من امنيا وعسكرياً وعليه من الضروري تفعيل آليات التعاون الإقليمي والدولي في مجال مكافحة الإرهاب والتدريب الأمني والمعلوماتي الخاصة المرتبطة بالإرهاب وتجنيد الأفراد عبر مواقع التواصل الاجتماعي نظراً لما تتضمنه من خطورة على الأمن القومي الوطني والإقليمي والعالمي الأمر الذي يتطلب تبادل المعلومات بين الدول وتوقيع الاتفاقيات الدولية بهذا الشأن.