banarlogo

سياسات الحد من ظاهرة التطرف العنيف  الحلقة 1

سياسات الحد من ظاهرة التطرف العنيف

 الحلقة الأولى

بقلم : الدكتور العقيد ثائر الناشيء / وزارة الدفاع

 التطرف العنيف ناتج عن تطور أفكار نظرية متطرفة في بدايته إلى تطبيق عملي لتلك الافكار فيما بعد يعتمد على استعمال القوة والعنف لتنفيذ متبنياته, لينتشر إذْ ما توافرت البيئة الخصبة في مجتمع ما كانتشار المرض المعدي الذي يصعب علاجه فيما بعد, ليشكل خطرا حقيقيا على كيان المجتمع ونسيجه الاجتماعي في الحاضر والمستقبل, مما يتطلب وضع سياسات ومعالجات في جميع مجالات الحياة منها (الاقتصادية والاجتماعية والتشريعات القانونية والإعلامية فضلا عن السياسات الأمنية).

وتُعد ظاهرة التطرف العنيف خطراً واقعياً على حياة البشرية في جميع أرجاء المعمورة حتى أصبحت اليوم تتمدد وتحتل مناطق جغرافية ذات مساحات شاسعة اكثر من ذي قبل بسبب استعمال أدوات مكافحة التطرف العنيف التقليدية التي تعتمد على القدرة الإكراهية (العسكرية), وعدم انتهاج طرائق أخرى لمعالجة ومكافحة تلك الظاهرة, إذْ لا يمكن أن يكون رد الفعل فقط قائماً على أساس استعمال القوة، لذلك يجب أن تكون المعالجة والمكافحة استباقية واستشرافية للمستقبل في محاولة للخروج من الفكر المتطرف المتغير زمانياً ومكانياً على وفق التفكير الوقائي, وكما يجب أن تكون مقنعة اي إقناع الإرهابيين وأنصارهم المتعاطفين على التخلي عن مساراتهم المدمرة  والبحث عن طرق أمنة  أخرى غير عنيفة لتحقيق أهدافهم.

فلا يمكن القضاء على التطرف العنيف ألا باستعمال التخطيط العلمي بواسطة سياسات واضحة ذات مدى زماني ومكاني يقوم عليها مجموعة من المختصين في الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والإعلامية جنبا إلى جنب مع الخطط الأمنية الناجعة, وتكون هذه السياسات ذات مديات زمانية محددة, فقد اثبت الواقع ولاسيما في العراق بان التطرف العنيف لا يمكن القضاء عليه باستعمال القوة فقط, لذا يجب استخدم السياسات الوقائية الفعالة للقضاء على حواضنه الفكرية وملاذاته الأمنة التي توفر عنصرا أساسيا لديمومته وبقائه وتطوره. وتتمثل هذه السياسات بما يلي

الجانب الاجتماعي.

يعاني المجتمع العراقي بعد عام 2003 تغييرات في البنية السياسية تسببت بمشكلات واختلالات تنظيمية في معظم مؤسساته بشكل أنعكس سلباَ على بناء وهيكل المجتمع ونسيجه الاجتماعي, فالمجتمع العراقي يشهد اليوم العديد من جرائم التطرف والجرائم الجنائية والسرقة ومشكلة الإدمان على المخدرات وتلوث البيئة ومشكلات البطالة والفقر وغيرها, التي تهدد أمن المجتمع بكل فئاته، إذْ انتشر الخوف والقلق لدى الجميع على حاضرهم ومستقبلهم جراء سوء الإدارة والتنظيم, فضلاً عن اتساع دائرة الفساد المالي والإداري الذي أدى إلى ضعف المؤسسات وسوء أدارتها, ومما يزيد في الآمر قلقا ضعف المواجهة وقلة المناعة ضد التطرف والعنف والفساد العابر للحدود وبطبيعة الحال يقع على الدولة العبئ الأكبر والأوسع في معالجة هذه المخاطر عن طريق استراتيجيات ترمي إلى مكافحة كل أشكال الجريمة والتطرف العنيف.

إنَّ الظرف الذي يشهده العراق حكومةً ومؤسسات يشكل تحدياً صعباً يتطلب المواجهة الحقيقة على جميع المستويات, وهذا يتجلى بمهام الدولة عن طريق التخطيط التنموي ووضع استراتيجية واضحة لهذا الغرض في  سياساتها الاجتماعية وأولها العمل على كل ما يلزم لرفع مستوى الوعي عند الأفراد, وإحساسهم بأنَّ لهم صوتاً يسمع ورأياً يؤخذ به في عملية صنع القرار, ودوراً فاعلاً في وضع الخطط وبما يواكب متطلباتهم في هذه المرحلة الهامة من تاريخ العراق الحديث وما يتطلعون إليه صوب المستقبل الأفضل، فضلاً عن ضرورة استعانة هذه السياسات بفرق تكنوقراط قوية بخبرتها المؤسسية قادرة على ضمان الاستمرار في تنفيذ السياسات الناجعة, ويتطلب ذلك مغادرة الرؤية القاصرة التي تختزل حاجات الشباب وطموحاتهم المستقبلية, فضلا عن ضرورة الخروج من دائرة التفكير والتخطيط بالنيابة عن الشباب, إلى خلق شراكة حقيقية معهم من خلال إشراكهم في رسم السياسات العامة والخطط وإدماجهم في عملية التنمية الوطنية بمراحلها المختلفة وتحديد الفجوات في هذا المجال، فضلاً عن تحديد أولويات الإصلاحات التشريعية والقانونية المطلوبة واقتراح المعالجات اللازمة وتحديد الجهات المعنية بذلك.

وبطبيعة الحال تُعد الثقافة الأمنية مطلبا أساس في حياة المجتمعات ولاسيما في عصر انتشر فيه التطرف وتوسع في كل مكان, ولكي تأخذ تلك الثقافة موقعها المؤثر في خريطة العمل الأمني لابد لها من قاعدة اجتماعية راسخة ومتينة تستند إليها في تحقيق أهدافها والمتمثلة في مؤسسات التنشئة الاجتماعية والسياسية كالأسرة والمدرسة ودور العبادة وغيرها, بوصفها مؤسسات تضطلع بأدوار أمنية في العالم المعاصر.

وأمام السياسة الاجتماعية الحالية والمستقبلية في العراق حزمة من المهام والأهداف على عدة مستويات ينبغي أن تعمل عليها للحد من ظاهرة التطرف العنيف.