-الحلقه الرابعه –
د. رائد عبيس
عضو المركز العراقي لتوثيق جرائم التطرف
يعد موضوع تعذيب الأطفال من المواضيع الأشد قسوة في تاريخ التعذيب البعثي لأبناء الشعب العراقي؛ لما له من بشاعة كبيرة على المستوى الإنساني، والديني، والقانوني، والاجتماعي، والسياسي. فكل القوانين المشرعة لمصلحة الطفل العراقي لم تراعَ، ولم تطبق بحق الأطفال في العراق؛ وذلك نتيجة للجرم المباشر المستهدف للأطفال بشكل مباشر، أو المخاطر التي تعرض لها الأطفال بشكل غير مباشر؛ نتيجة للأفعال الإجرامية التي طالت بلدهم، وآباءهم، وأمهاتهم، وإخوانهم، وأصدقاءهم، وجيرانهم. ومرت على أطفال العراق أيام غاية في القسوة، كانت كلها أحداثاً مريرة خلفت لهم بالحد الأدنى تجارب اجتماعية قاسية آلمت وجدانهم، وذاكرتهم، وخدشت مشاعرهم الوطنية.
ربما لم يسمع الشعب العراقي بشكل عام بكل الجرائم التي طالت من نالهم جرم النظام البعثي، ومن كان لديه انطباع نتيجة لما يتناقل في الذاكرة الاجتماعية عن جرائم متناقلة من أفواه الضحايا أنفسهم، أو ذويهم، أو ما كان شائعاً عن ذلك، ربما لا يُقارن مع ما كشفته وثائق تخص الإجرام البعثي، كان قد وثقها بيده عن الضحايا. ما أظهرته وثائق الأمن العامة، ودوائر السجون، واعترافات مجرمي البعث، وشهادات قياداته ممن أجري معهم التحقيق أو المقابلات في كشف جزئي عن هذه الجرائم اكتمل مع عينات المقابر الجماعية، وسجلات الإعدامات وقراراتها، وقوائم المغيّبين لحد الآن، وذاكرة المهجرين قسراً، والمرحّلين ظلماً، والمهاجرين خوفاً.
أسهم في اكتمال أنصاف القصص التي تروى منذ تولي البعث للسلطة، وإلى يومنا هذا، وهو جهد كان مميزاً وفريداً لنشاط جهد شخصي، أو مؤسسي، أو نشاط منظمات دولية، كانت قد لاحقت كل الأدلة التي تثبت بأن النظام البعثي قد اخترق حقاً وارتكب جرماً بحق الشعب العراقي.
نذكر على وجه الحصر جهدين في ذلك:
-
الجهد الأول كان لمنظمة حقوق الإنسان في لندن، وسكرتيرها الدكتور صاحب الحكيم، صاحب الجهد الأكبر في حفظ حق كل الضحايا من التخليد، والمطالبة بالحقوق وتأكيدها، وتدوينها إدارياً وحفظها أرشيفياً، وعبر منافذ عالمية كان قد جمع شتات معلومات أغلب الضحايا العراقيين وغير العراقيين الذين نالهم عدوان النظام البعثي وإجرامه وأرشفها.
-
الجهد الآخر كان لمنظمة العفو الدولية التي تولت التوثيق والتحقيق لأغلب الضحايا العراقيين من جراء تعسف النظام البعثي وإرهابه.
اجتهدت هذه المنظمة العالمية إلى إحصاء وتدوين وتوثيق كل ما يتعلق بالضحايا العراقيين عبر لجانها التحقيقية، والأممية، والإحاطة التي تقدم لها من قبل جهات أخرى، أو التي تكتبها نتيجة معطيات حكومية أو دول أو فرق ومنظمات عالمية.
امتلك نتيجة هذا الجهد كماً كبيراً من المعلومات التي تخص الإنسان العراقي بشكل عام، والطفل العراقي بشكل خاص، وقدمت بخصوص صنوف الأضرار التي طالت الطفل العراقي نتيجة سياسة حزب البعث، نشرات مفصلة، وإصدارات خاصة، وأخباراً مستمرة، وتقارير دورية، مفندة بها كل ادعاءات النظام البعثي عن صون الحقوق ورعاية الطفولة.
أما أهم ما قدمته منظمة العفو الدولية من معلومات عن تعذيب الأطفال في العراق فتمثل بالآتي:
-
تعذيبهم بسياسة التجنيد الإجباري، وعسكرة سلوكهم التعليمي والثقافي، ومنها الفعاليات العسكرية في المدارس.
-
قتل وتعذيب الأطفال بدنياً ونفسياً جراء سلوك أهاليهم المعارض للنظام أو المشتبه به، مثل: عائلة آل طعمة من كربلاء الذين تم تعذيبهم وإعدامهم بالتيزاب.
-
اعتقال الأطفال وتعذيبهم كما يعذب الكبار في السجون والاعتقال وأماكن الاحتجاز.
-
قتل الأطفال وتعذيبهم نتيجة تسميمهم بالغازات السامة بشكل مباشر، كما حدث في حلبجة.
-
تعذيب الأطفال وقتلهم نتيجة الحصار الاقتصادي الذي فرضه النظام البعثي على بعض المناطق العراقية، فضلا عن الحصار الاقتصادي الذي فرض أمميّاً على العراق نتيجة سياسة صدام.
-
قتلهم وتعذيبهم في أماكن الاحتجاز القسري، مثلما حدث لآلاف الأطفال للكورد الفيليين.
-
تعذيبهم بالحرمان من أبسط حقوق الطفولة والعزل الاجتماعي؛ نتيجة عد عوائلهم عوائل مخربة، أو عوائل معادية للحزب، أو عوائل عميلة، كما يصطلح عليهم رأس النظام البعثي.
-
تعذيبهم بالسجن، أو مصاحبة الأهل داخل السجن، أو بسجن ذويهم، وإبعادهم عنهم، وحرمانهم من حق الرعاية الأسرية، وقد استمر حبس بعضهم لسنوات طويلة.
-
تعذيب الأطفال بالتفريق الأسري الذي رافق قرار(446) سيء الصيت الذي يقضي بتفريق العائلة الواحدة؛ نتيجة الزواج من التبعية الإيرانية أو العكس.
-
تعذيب الأطفال وحرمانهم من العطف الأبوي، والرعاية الأبوية لأشهر وسنين، نتيجة قتل آبائهم بالحروب، أو انشغالهم بها؛ نتيجة الخدمة الإلزامية فيها، إبان الحرب، أو التجنيد المستمر.
-
تعذيبهم بالحرمان الاقتصادي؛ نتيجة فقدان أبسط المتطلبات الحياتية؛ مما جعلهم أطفالاً لا يملكون الوعي الكافي بمتطلبات الحياة وتطوّرها.
-
تعذيبهم وقتلهم بالحرمان الطبي والصحي، ولأبسط حق من الرعاية الصحية، فضلاً عن علاج المحافظة على الحياة التي توفي بسبب نقصانه مئات الآلاف من الأطفال.
-
تعرضهم للتعذيب والقتل أثناء مجريات التحقيق الأمني.
-
تعرضهم لانتهاك الكرامة.
-
تعرضهم للترهيب النفسي، والتخويف المستمر، والاستهانة بمتطلباتهم الحياتية والصحية داخل السجون.
-
التلاعب في سن الفتية المعتقلين لأجل شمولهم في أحكام الإعدام.
-
قتل وتعذيب كثير منهم؛ نتيجة عمليات الاغتيالات والتصفية، وتعذيبهم بأهاليهم وتعذيب الأهالي بهم.
-
الاختفاء القسري الذي طال الآلاف منهم ولا سيما من الكرد، والانتفاضة الشعبانية، والمقابر الجماعية، وغيرها…
-
تعذيبهم وقتل كثير منهم نتيجة سوء التغذية في السجون، وسوء الرعاية الصحية، مثل: منع الحليب عنهم، ومنع العلاج والإسعافات الأولية.
-
تعذيبهم بالحرمان من حق الاسم، والولادة الطبيعية بحرمان الأمهات الحوامل من السجينات من الولادة السلمية، وحق الأمان، وحق الحضانة ، وغيرها.[1]
ذكرت منظمة العفو الدولية في أحد تقاريرها نماذج عما تقدم من انتهاكات بحق الطفولة في العراق، مثل:
-
(315) طفلاً تم اختفاؤهم قسراً.
-
(17) طفلاً من الذين اختفوا أثناء الحجز.
-
(12) طفلاً من عائلة الحكيم احتجزوا منذ عام 1983.
-
(31) طفلاً دون الثامنة عشرة من عمرهم اعتقلوا، وذُكِرَ أنهم أعدموا.
-
(14) طفلاً من المختفين من عشيرة بارزاني.
-
(3) أطفال من عائلة واحدة من بيت الحكيم.
-
عشرات الأطفال تم تسميمهم بالثاليوم.
-
المئات من الذين استشهدوا بالعمليات الكيمياوية في حلبجة عام 1988.
-
المئات من الأطفال الذين أبعدوا وسفروا إلى إيران، وظهرت لهم صور وهم في مستشفيات ومعسكرات اللجوء في إيران.
-
المئات من الأطفال الذين أبعدوا إلى تركيا، ظهرت لهم صور وهم في معسكرات اللاجئين. [2]