جرائم نظام البعث في العراق في تقارير منظمة العفو الدولية
تلقي البلاغات
الحلقة الثانية
د. رائد عبيس
عضو المركز العراقي لتوثيق جرائم التطرف
كيف كانت منظمة العفو الدولية تتلقى البلاغات من الضحايا، مع منع السلطة البعثية لأي معلومات عن الضحايا؟ وكيف كانت ردودها عن بلاغات المنظمة؟
يُظهر هذا المقال زيف السلطة البعثية في حجب الحقائق أولاً، وثانياً كيفية تعامل النظام البعثي مع المنظمات الدولية، ومنها منظمة العفو الدولية، فضلاً عن استهانة النظام الصدامي في كل القوانين والقواعد الإنسانية التي كان العراق طرفاً فيها، وكذلك القانون الداخلي ودستوره.
وهو أمر محقق، إلا أن منهجية منظمة العفو الدولية تظهر إجابة لكل الأسئلة المقدمة، لتوضح حقائق جديدة عن الوضع الإنساني في العراق في ظل نظام حزب البعث، منذ أن بدأت مهمتها التحقيقية في العراق، ومراقبة الوضع الإنساني للمعتقلين، والمحكومين، والمعارضين السياسيين، وسجناء الرأي.
تأكد لمنظمة العفو الدولية طبيعة الانتهاكات البعثية في تعذيب المحتجزين، نتيجة تلقيها بلاغات عن هذه الحالات منذ سنوات عدة بشكل متكرر؛ مما جعلها على يقين بأن التعذيب الممنهج الذي يمارسه البعث بحق معارضيه المعتقلين والسجناء مستمر وبشكل دائم، وكانت تتصف بالعنف الشديد وأصيب الضحايا جراءه بعاهات جسدية ونفسية.
في إجابة للسؤال الأول كانت المنظمة تتلقى هذه البلاغات من خلال مجموعة من الضحايا الهاربين من سلطة النظام وقمعه إلى دول المهجر في حقبة السبعينيات والثمانينيات، فضلاً عن تلقيها بلاغات من سفارات دول اعتقل رعاياها داخل العراق، وتعرضوا للتعذيب الشديد. وكذلك عن طريق استنتاج الموقف عن طريق المصادر الرسمية وغير الرسمية التي تعرض حالات من هذا القبيل.
بعد هذه المعطيات المؤكدة، أخطرت منظمة العفو الدولية الحكومة البعثية عام 1981، بطبيعة الانتهاكات، وما عليها أن تقدمه لضمان سلامة المعتقلين، وسلامة الإجراءات القانونية بحقهم. إلا أن حكومة البعث كالعادة بادرت إلى نفي هذه الانتهاكات، وزعمت سلامة إجراءاتها، ورفضت أي ضمانة يُطالبون بتقديمها للمجتمع المحلي والدولي، ولم ترد على أي أسئلة من التي قدمتها المنظمة في مطالباتها، واستفهاماتها للسلطة في بغداد، وذلك من خلال تقرير قدم للمنظمة بتاريخ 27 نيسان عام 1981، زعمت فيه سلطة البعث أن (التعذيب محظور في العراق وفقاً للدستور العراقي) !! وبما أن هذه الإجابة لم تكن مقنعة للمنظمة حينها طلبت من السلطة البعثية زيارة العراق، والاستماع بشكل مباشر من مسؤولي البعث، وأبرزهم وزير الداخلية في حكومة صدام في عام 1983. [1]
وبعد هذه الزيارة تأكد لمنظمة العفو الدولية أن هناك تناقضاً كبيراً بين نفي الحكومة العراقية، وتأكيداتها أن المعلومات التي ترد المنظمة مغلوطة، وبين شهادات المعذبين التي توالت على المنظمة بعد تشكيل فريقها التحقيقي وزيارة العراق؛ مما ثبت للمنظمة أن الحكومة البعثية لم تلتزم بالتوصيات المقدمة لها، ولم تحترم طبيعة الإجراءات القضائية بحق الضحايا، ولم يكتف البعث بذلك، بل اتهم المنظمة بعدم الحياد، وأن معلوماتها مكررة، ولم تضف جديداً على أي من تقاريرها المقدمة بشأن حالات التعذيب في العراق، وأن الحكومة العراقية ليس لديها ما تضيفه على نفيها الدائم لهذه المعلومات ! [2]
فعدم شفافية السلطة البعثية في التعاطي مع الاستفسارات المتكررة عن طبيعة البلاغات التي تصلها، ونفيها المتكرر، ومطالبتها بتسليم الذين أدلوا بشهادتهم للمنظمة أثارت مخاوف المنظمة أكثر، وأخذت تتحرى عن كل ما يعزز هذه الاتهامات، ويعمق من هذه التأكيدات، ولم تقف عند حد تلقي البلاغات، كما كانت في البدء؛ مما يظهر تطور حالات التعذيب، وتوسعها في جميع المعتقلات البعثية، وتزايد حالاتها، والموت بسببه، فضلاً عن الإعدام التعسفي الذي كان يمارسه النظام.
[1] منظمة العفو الدولية، ملخص دليل التعذيب، 14/06/81 MDE.
[2] Torture in Iraq,1982-1984,14/02/85,Amnesty international