banarlogo

تشكُّل العنف الثقافي ضد الشبك

د. قيس ناصر

 

    يرتبط العنف الثقافي هنا بالثقافة التي شُكّلت عن الشبك من خلال الدراسات والروايات الشفاهية المتداولة، التي أسهمت إلى حد كبير في تشكيل صورة لدى المتلقي الذي يحاول أن يتعرّف عليهم عن كثب. وبناءً على ما تقدم، تم وصف تلك الدراسات والروايات المُدونة “بالعنف الثقافي”، حتى وإن كان كُتّابها ليسوا من دعاة العنف، لكن كتاباتهم أظهرت صورة مغايرة عن هوية الشبك وانتمائهم لدى المتلقي يمكن تصنيفها ضمن حقل العنف الثقافي، الذي يُعد من المفاهيم الحديثة التي ظهرت في الساحة الفكرية مع جوهان غالتونج الذي صاغه في ورقة بحثية تحمل عنوان (العنف الثقافي) سنة 1990م، ويعرفه بأنه التسويغ الفكري أو المرتكز للعنف البنيوي والمباشر الذي يرتكز إلى التمييز من خلال القومية والعنصرية وعلى أساس الجنس وغير ذلك من أشكال التمييز والتحيز في التعليم ووسائل الإعلام والأدب والأفلام والفنون.
    والعنف الثقافي يتلاعب بمقومات المجتمع الذي يعيش فيه الأفراد، إذ يتمظهر في شكل تمييز منهجي ضد فئات معينة في المجتمع من خلال نشر فكرة أن طبيعة هذه الفئات تجعلهم أقل جدارة من غيرهم. وعلى وفق ذلك، فإن العنف الثقافي يكون ركيزة لأنواع العنف الأخرى التي سيأتي الحديث عنها في سياق مقالات أُخر؛ لأن هذه الأنواع من العنف قد تعرض لها الشبك أيضاً.
    إن تمثيلات العنف الثقافي حاضرة في حالة الشبك، بالنظر إلى التعتيم الذي رافق حقيقة وجودهم في العراق، وتعرضوا لإساءة من مجموعة من الباحثين، ولم يكن باستطاعة الشبك حينها الدفاع عن حقيقتهم – ولا سيما في منتصف القرن العشرين ونهايته-، وكشف الزيف الذي قيل عنهم، لأسباب عديدة، لعل من بينها افتقار وجود أقلام شبكية قادرة على التصدي لتلك الصورة المتشكلة عنهم، كذلك قلة الاطلاع على وجهات نظر الآخرين، هنالك صورة نمطية اعتاد الكُتّاب على ترويجها بين فئات المجتمع العراقي لا تخلو من عنف ثقافي كامن، وخطورة هذا النوع من العنف تأتي من أنه يمهد لأشكال العنف الأخرى كما ذُكر سابقاً، وكما ينقل زهير كاظم عبود، فقد أشارت بعض الكتابات التي عُدت مصدراً رئيساً لمعرفتهم بأنّ الشبك من الغلاة تارة، أو أنهم لا يؤدون الصلاة، ولا يصومون، ولا يزكون، ولا يحجون تارة أخرى، أما طقوسهم فإنها تتطابق مع طقوس الأديان الأخرى مثل: الايزيدية، والمسيحية في المنطقة، حتى وصلت بعض الكتابات إلى عدّهم كفاراً، ومرتدين، والتي أدت بدورها إلى الشعور بمشاعر أسى وألم تخالج كثيراً من الشبكيين ولا سيما التشكيك بمعتقداتهم الإسلامية كما عبر عنه سهيل قاشا.
    ومن الكتب المشهورة عن الشبك التي عنفتهم ثقافياً هو كتاب: (الشبك من فرق الغلاة في العراق) لمؤلفه أحمد الصراف الذي يرجع إليه العديد من الباحثين، وأخذ مؤلفه حينذاك مصدر معلوماته عن الشبك من شخصية واحدة، أخبره بأنه لا يؤمن بما يدينون به الشبك، وإنَّ الأخير قد رجع إلى الإسلام، وعلى إثر ذلك حدّثه عن عقائد الشبك، وما يؤمنون به، واعتمدها المؤلف ونشرها في كتابه كما يذكرها هو. ويذكر أحد الباحثين عن كتاب الشبك من فرق الغلاة أن مؤلفه قد تحامل، وقصد الإساءة، وحمل حقداً تجاه الشبك من خلال كتابه المشار إليه، إذ أفترى عليهم، وألصق بهم ممارسات لا تليق بهم، ولا صحة لها مطلقاً، وكان القصد منها الحطّ من قيمتهم، والإساءة إليهم. وكذلك يوجد كتاب آخر في السياق نفسه مثل: بقايا الفرق الباطنية في لواء الموصل، على الرغم أن مؤلفه لم يتطرق إلى الشبك، إلا من خلال الحديث عن أصولهم الفارسية.
    وكثيراً ما يتكرر العنف الثقافي في بعض الكتب كما في كتاب الكاكائية في التاريخ لمؤلفه عباس العزاوي، الذي ذكر بأن الشبك لا يصلون ولا يصومون، واعتادوا شرب الخمر، ولا يتنجون بالماء. واللافت هنا أن حتى الباحث المعروف كامل مصطفى الشيبي، قد اتخذ من رأي الصراف أمراً مسلماً به مع إضافته التحليل الصوفي للشبك، إن الشبك يصدرون في تصوفهم عن نزعة صوفية ملامتية سوغت لهم الاستخفاف بالتكاليف الشرعية، مثل شرب الخمور والإعراض عن الصلاة والصوم والزكاة، وإهمال للاستنجاء من دون تحقق لمصدر معلوماته كما في كتابه الطريقة الصفوية ورواسبها في العراق.
    أما الحقبة الزمنية التي تشكلت فيها الآراء حول الشبك فكانت مع بداية القرن العشرين مع الكرملي والصراف في حديثهما عن الشبك- ومؤلف كتاب الغلاة في الفرق الدينية مروراً بالعزاوي والشيبي في منتصفه، واعتمدت أغلب الدراسات التي اتخذت من الشبك موضوعاً لها على هذه الآراء، مثل حنا بطاطو على الرغم من أنه كوّن رأيه عن الشبك في سبعينيات القرن العشرين، إذ ذكرهم في حديثه عن الأقليات، فقال أما دين الشبكيين الذين يتكلمون الكردية فيحتوي على سمات اليزيدية والشيعية، ويذكر أحد الباحثين أن إحصاءات الدولة العراقية اعتادت أن تجمعهم مع الايزيديين في إحصاء واحد، حتى سنة 1977م .
    ولم يقف الأمر عند المهتمين بالشأن العراقي، بل إن مؤلفي كتب الفرق الإسلامية قد عنفوهم ثقافياً، مثل مؤلف موسوعة الفرق الإسلامية، الذي عبر عنهم بأنهم فرقة كُردية من الغلاة والصوفية، وقد وجدت بعض التقاليد والشعائر النصرانية، كالاعتراف بالذنب وشرب الخمر، طريقها إلى هذه الفرقة على حد تعبيره، وتحدث عن كتاب ديني لديهم هو المناقب، وذكر أن أغلب عقائدهم مأخوذة من الملامتية ومن مراسيمهم ليلة الغفران، حيث يجتمع فيها النساء والرجال في مكان واحد يبكون وينحبون وهم يطلبون المغفرة من الله. وكل ذلك شكل من أشكال العنف الثقافي الذي لم يتحقق فيها من معلوماته التي ذكرها ضمن موسوعته.
    والملاحظ أن الدراسات القديمة عن الشبك تأخذ طابع التحامل، وما يمكن تسميته بالعنف الثقافي، ومن الخطأ الكبير الاعتماد عليها اليوم، وهذا الأمر من الضروري جداً أن ينتبه له الباحثون في تصوير عقائد الشبك، التي هي ليست طائفة أو فرقة دينية، إنما هم مسلمون ينتمون فقهياً إلى المذهب الاثني عشري الجعفري، وهم الأكثرية، وآخرون يتعبدون من خلال المذهب الفقهي الشافعي.
    وإذا كان العنف الذي وقع على الشبك هو عنف ثقافي، ولم يكن بإمكان أي أحد إدراك هذا النوع من العنف إلا المثقفون، ولذلك عمل بعض الباحثين على تقديم معلومات تكون أقرب إلى الصحة حول هذه الجماعة؛ لتبديد العنف الذي وقع عليهم، ومثل هذه الدراسات بدأت بالظهور بعد 2003م.
    فيذكر عبد الزهرة الأغا وهو أحد الأقلام الشبكية، بأنه لا تخلو قرية من مسجد، أو حسينية، اللذين تُقام فيهما الفروض الخمسة، وتحيا فيهما المناسبات الدينية، من ولادات أئمة، وأعياد إسلامية، ويرجع بناء المساجد إلى منتصف القرن العشرين بعد تحسن وضع الشبك الاقتصادي، والمذهب الشيعي عند الشبك، هو المذهب الاثني عشري كباقي الشيعة في العراق، وهناك كثير من طلبة الحوزة العلمية المنتشرين في قرى الشبك، أما بقية الشبك، ونسبتهم (30%)، فيتمسكون بالإسلام على وفق المذهب الفقهي الشافعي، واللغة الشبكية تنتمي إلى مجموعة اللغات الآرية الهندو- أوربية.
    وذكر سهيل قاشا أن الشبك قومية مستقلة لها خصوصيتها التي تميزها عن القوميات الأخرى، واستوطنوا في سهل نينوى في المنطقة الواقعة بين نهر الخازر، ونهر دجلة منذ القرن السادس عشر، وعلى وفق رأي زهير كاظم عبود أنهم عاشوا في خضم الظروف والتحديات التي مرت بها المنطقة والعراق طيلة القرون الماضية، ومن ثمَّ، فهذا يعني سقوط النظريات، والمحاولات التي كانت، ولا تزال تعمل على إلحاقهم بالعرب، أو الكورد، التي في الوقت نفسه، لم تثبت صحتها، ولا سيما أنَّ وجودهم في قراهم، ومناطقهم قبل مجيء كثير من العشائر العربية والكوردية في المنطقة.
    إن هذه المقالة تحاول إنصاف الشبك؛ لأن بعض الباحثين تمادوا على حقهم، واستهانوا بمعتقداتهم، مع تأكيد القول إن اختلاف الباحثين، نتيجة لاختلاف مصادر معلوماتهم، لهذا يمكن التعبير أن الصورة أو القراءة المتشكّلة عن الشبك هي صورتان، الأولى حيادية، والشبك أنفسهم يذكرونها، وصورة ثانية غير حيادية تُعبر عن العنف الثقافي مثلها أحمد الصراف والعزاوي والشيبي وغيرهم، مع التأكيد أن أغلب القراءات التي مارست ازدراء عقيدة الشبك والكذب والافتراء عليهم كانت متأثرة بكتاب أحمد الصراف (الشبك من فرق الغلاة في العراق)؛ لذا ينبغي من كُتّاب الشبك مطالبة الجهات الحكومية المعنية بمنع تداول هذا الكتاب، وعدم الرجوع إليه كمصدر إلا في حال نقده وعدم اعتماد معلوماته، مع تشكيل لجنة لتشخيص الكتابات المتأثرة به لبيان عدم صحة معلوماتها؛ لأن العنف الثقافي يسهم الى حد كبير بالتأسيس لارتكاب العنف المباشر.