أ.د. حسين الزيادي
الوثيقة المرفقة ربطاً صادرة من مديرية أمن بغداد ومعنونه إلى مديرية أمن مدينة صدام (الصدر حاليًا) تحمل العدد 61456 بتاريخ 20/8/1984، جاءت تحت عنوان معلومات، ويبدو انها جاءت بناءً على كتاب سابق من مديرية الامن العامة الى مديرية امن محافظة بغداد تحمل الرقم 65220 في 20/9/1984، وهذا الكتاب يبين ان هناك من ينوي إقامة مجلس الفاتحة على روح احد المعدومين وهو بشار رشيد اللاعب العراقي المعروف في المنتخب الوطني، وذكرت الوثيقة بالتفصيل عنوان داره الكائنة في مدينة صدام قطاع (52)، وفي أعراف نظام البعث ان مجلس العزاء يُعد جريمة، فالمعدوم لا يُقام له مأتم، ولا يُسمح لأهله بالبكاء أو العويل بصوت مسموع يسمعه الجيران، وأحياناً يُدفن سراً بدون حضور الاهل، وفي كثير من الحالات لا يُسلَّم الجثمان لذويه أصلًا.
من هو بشار رشيد
بشار رشيد من مواليد الديوانية 1949، انتقلت عائلته من الديوانية إلى بغداد، وسكنوا في المنطقة الشعبية أبو سيفين ثم مدينة الثورة، يعد ابرز مهاجمي الكرة العراقية في السبعينيات، كان هداف الدوري العراقي الموسم 1972-1973، مَثل منتخب العراق المدرسي في بطولة الدورة العربية المدرسية التي أقيمت في دمشق عام 1966، وأسهم في إحراز منتخب العراق العسكري لكاس بطولة العالم العسكرية الخامسة والعشرين عام 1972، وسجل الهدف الثاني في مباراته الأخيرة أمام منتخب ساحل العاج، وكان هداف المنتخب في بطولة العالم العسكرية السادسة والعشرين في الكونغو عام 1973، وكان ضمن المنتخب العسكري الذي لعب في تصفيات بطولة العالم العسكرية في الكويت عام 1975، كما انه هداف البطولة الرباعية للفرق العسكرية التي جرت في بغداد من 14-21 تموز 1973، و في 15 ايلول من العام 1975 اقتادت اجهزة الأمن بشار رشيد من غرفة تبديل الملابس قبيل مباراة الشرطة مع الجامعة، وبتاريخ 17 آيار 1978 تم اعدام بشار رشيد، بتهمة الانتماء إلى الحزب الشيوعي، ولم تشفع له موهبته ولا إنجازاته، لأن النظام لم يكن يرى في الناس سوى ولاء مطلق أو موت محتوم.
الابعاد السياسية وراء منع اقامة مجالس العزاء
منع اقامة مجالس العزاء او المآتم لمن يعدمهم النظام في عهد البعث له اهداف سياسية، وايديولوجية، وامنية يمكن اجمالها بما ياتي:
-
الخشية من التجمّعات الدينية: مجالس العزاء او مجالس الفاتحة وفق التسمية العراقية المتعارف عليها هي تجمع أعداد من محبين الشخص المتوفي، وهذا التجمع وفق اعتقاد النظام يمكن أن يتحوّل إلى مساحة للتعبير السياسي أو التعبير عن المعارضة، أو حتى تحريض ضد النظام، لهذا كانت أجهزة الأمن تتّخذ إجراءات قوية لمنع أيّ شعور جماعي يهدّد استقرار النظام.
-
الإرهاب الرمزي: المنع ليس فقط فعلاً عمليًّا، بل رسالة واضحة مفادها ان: الدولة تملك السلطة المطلقة على المنع، وأن من يفعل خلاف ذلك معرض للعقاب، هذا النوع من التضييق يُرسّخ الخوف، ويشيع الرعب والرهبة.
-
استهداف مجالس العزاء بوصفها اسلوب رفض لسياسة النظام: كان نظام البعث ينظر الى تلك المجالس بوصفها اسلوب للتعبير عن الرفض للفعل الذي ادى الى اعدام من اقيمت الفاتحة لأجله او انها توجيه للغضب الجماعي نحو السلطة، أو انها تصرف غير خاضع لهيمنة المشروع البعثي.
-
كبت التعبير الروحي والعاطفي: وجود هذه المجالس يعني وجود فسحة للعزاء الجماعي الذي يتيح للناس أن يعبروا عن احزانهم وامتعاضهم للسلطة.
-
منع مجالس العزاء امتهان لكرامة الانسان: يهدف النظام من منع اقامة مجالس العزاء الى الانتقاص والحاق الفضيحة والعار بعائلة الضحية، فلم يتكتف النظام بإعدام الضحية، بل عمد الى اهانة ذويه.