أ.د. حسين الزيادي
الوثيقة المرفقة صادرة من هيئة التصنيع العسكري / منظومة أمن وحماية منشآت التصنيع العسكري، تحمل العدد 7/3/5/55 في 3/12/1990، وموجهة إلى مديرية الأمن العامة تحت عنوان – تحقيق هوية – للمواطن قيس مشكور خضير مجيد علاوي وهو من تولد صلاح الدين 1969، خريج معهد التكنولوجيا، وعمله الحالي عسكري، والذي يهمنا من الوثيقة هي الفقرة الثامنة منها التي تفيد أن للمدعو قيس عمّاً يدعى: خضير مجيد، تم إعدامه سهوا في معركة قادسية صدام المجيدة – بحسب تعبير الوثيقة – واعتبر شهيدا في الآونة الأخيرة!
إن هذه الحادثة، وغيرها كثير، تنم عن استخفاف واضح واستهتار بحق الإنسان في الحياة، فالإنسان في مفهوم البعث كان مجرد رقم في تقارير أمنية، أو ملف في دوائر الاستخبارات، يُعدم أو يعتقل أو يُغيّب دون محاكمة قانونية، وتنم تلك الحوادث عن العقلية البعثية التي ترى السلطة أهم من المواطن، والحزب أهم من الوطن، والقائد أهم من الحياة نفسها، وهذا السلوك لا يُعبّر فقط عن غياب العدالة فحسب، بل يكشف عن خلل عميق في المنظومة القيمية للسلطة الحاكمة، فلم يكن المواطن يأمن على نفسه؛ لأن إجراءات الإعدام تقوم على أساس الظن والشك والريبة، وفي ذلك يقول أحد الشهود الذين التقينا بهم: لدي أخ أعدم خطأً بسبب تشابه في الاسم الثلاثي، وبعد مدة من الزمن تم اكتشاف التشابه فاعتبروه شهيداً، وعموماً كثيرة هي الإعدامات التي حدثت سهواً واكتشفت، واعتبروا شهداء، لكن السؤال الذي يطرح نفسه: كم هي حالات الإعدام التي حدثت عن طريق الخطأ ولم تُكتشف، أو تُستِّر عليها؟
يقول شاهد عيان آخر: في أبريل عام 1987 كنت جندياً في فرقة المشاة (39) التابعة للفيلق الأول في السليمانية، وبعد انتهاء معركة (جبل ماوت) خسر الجيش العراقي المعركة وانسحبت القوات العراقية، وعلى أثر ذلك أمر هرم السلطة في قرار انفعالي متسرع بإعدام بعض أمراء الألوية، وبعد دراسة الموقف بشكل تفصيلي من قبل قيادة الجيش اتضح عدم وجود تقصير من قبل الضباط المعدومين؛ لذا عاد النظام ليعتبر كل المعدومين شهداء.
أما حادثة الدجيل التي وقعت في 8/7/1982 فقد أُعدم أربعة من الأبرياء من قِبل جهاز المخابرات عن طريق الخطأ، وكما يتضح من الوثيقة الثانية المرفقة، وعند التحقيق في الموضوع تبيّن أن أحد ضباط المخابرات المكلف بالتنفيذ واسمه حكمت عبد الوهاب الذي أحيل لاحقاً لمحكمة المخابرات؛ بسبب الإهمال قد أمر بتنفيذ الحكم في جناح المخابرات في سجن (أبو غريب)؛ وبسبب ضيق الوقت والارتباك وأثناء التنفيذ نفذ الحكم بأربعة أشخاص خطأً وهم: مهدي عبد الأمير، وحسن عبد الأمير، صلاح مهدي عبد الأمير، وفلاح مهدي عبد الأمير، والذين لم ينفذ بهم حكم الإعدام هم أربعة منهم: جاسم محمد عبد الرضا، وعلي حبيب جعفر؛ ومن أسباب الارتباك والفوضى التي أدت إلى الإعدام سهواً هو رغبة جهاز المخابرات بالتمويه على تنفيذ الإعدام؛ لأن من صدر بحقهم أمر الإعدام بلغ (148) متهماً في حين أن من أعدموا بلغ عددهم (96) متهماً، أما الـ (52) متهماً الآخرين فقد تمت تصفيتهم خلال التحقيق.
والجدير ذكره أن أحكام الإعدام في ظل نظام البعث لم تقتصر على المحاكمات القضائية، بل كانت من مهام جهات تنفيذية وأجهزة قمعية متعددة، إذ أعطيت تلك الجهات صلاحية التنفيذ وعدم المساءلة، ومنها الصلاحيات التي أعطيت لمسؤولي الحزب والأجهزة الأمنية، ويعد قرار مجلس قيادة الثورة ذي الرقم (20) لسنة 1991 من أهم القرارات التي أعطت الصلاحيات الكاملة بتنفيذ أحكام الإعدام، ويتضمن هذا القرار منح صلاحية الإعدام للمنظمة الحزبية لكل هارب من الخدمة العسكرية يلقى القبض عليه بعد انتهاء (15) يوماً من تاريخ 18/1/1991 داخل العراق و (30) يوماً خارج العراق بغض النظر عن عدد مرات الهروب ومدته، ويتضمن هذا القرار على تنفيذ حكم الإعدام من قبل المنظمة الحزبية لكل عضو فرقة في حزب البعث ولكل مسؤول أمني ومسؤول شرطة كان على علم بوجود الهارب أو المتخلف من الخدمة العسكرية ولم يتخذ إجراء، وكما يتضح من الوثيقة المرفقة ربطاً.
مخالفة القانون الدولي
تنص المادة (3) المشتركة من اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949، التي يعد العراق طرفاً فيها منذ عام 1956، على حظر إصدار الأحكام وتنفيذ العقوبات من دون محاكمة تجرى أمام محكمة مشكلة وفقاً للقانون، وتكفل الضمانات القضائية المعترف بها عموماً، وينص العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي انضم إليه العراق في عام 1971، في المادة (6) على أن لا يجوز حرمان أي إنسان من حياته تعسفاً، ولا ينفذ حكم بالإعدام إلا بموجب حكم نهائي صادر عن محكمة مختصة، وتعد الإعدامات الميدانية، إذا تمت بشكل واسع أو ممنهج، بمثابة جرائم ضد الإنسانية.