د. ثائر غالب الخيكاني
شهد العراق خلال عام 2015م مرحلة معقدة من ظاهرة الإرهاب، ارتبطت بشكل مباشر بتمدد كيان داعش الإرهابي وسيطرته على مساحات واسعة من الأراضي منذ منتصف 2014م، واستمرار المواجهة العسكرية والأمنية لاستعادة المدن، وقد ارتكبت العصابات الإرهابية العديد من الجرائم نذكر منها على سبيل المثال: أقدمت عصابات داعش على محاصرة قبيلة البو نمر وارتكاب مذبحة جماعية بحق أفراد تلك القبيلة؛ بسبب معارضتها لداعش؛ مما أدى إلى استشهاد المئات بينهم أطفال ونساء، وإعدام الشهيد (مصطفى العذاري) شنقا من على أحد الجسور في مدينة الفلوجة أمام تجمع من المواطنين، على الرغم من وقوعه أسيراً بين أيديهم، في سابقة بعيدة عن تعاليم الأديان السماوية وقيم الإنسانية جمعاء، وجريمة إحراق (4) من أفرد الحشد الشعبي في سلوك همجي لا يفرق بين البشر والحيوان والجماد، ولا يفرق بين مكونات الشعب العراقي على اختلاف دياناتهم ومذاهبهم وقومياتهم، وقامت تلك العصابات بنشر طريقة الإعدام من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، فضلاً عن تفجير سوق شعبي مزدحم في منطقة علوة جميلة في محافظة بغداد يوم 13 آب 2015، بواسطة سيارة حمل مفخخة، تسبب التفجير باستشهاد (80) شخصاً، وإصابة أكثر من (200) آخرين بجروح متعددة، فضلاً عن تفجير أحد الأسواق الشعبيَّة في مدينة خان بني سعد في محافظة ديالى بالتزامن مع حلول العيد فنتج عن التفجير أكثر من (120) شهيداً و(116) جريحًا.
إذ بلغ عدد الحوادث الإرهابية لهذا العام (2751) حادثاً تباينت في توزيعها الجغرافي بحسب المحافظات وبالشكل الآتي: (المثنى، القادسية، النجف، واسط، كربلاء، السليمانية، البصرة، أربيل، كركوك، نينوى، بابل، ديالى، صلاح الدين، الأنبار، بغداد) بعدد عمليات إرهابية بلغت في كل منها (1 ،1 ،1 ،2 ،2 ،3 ،7 ،14 ،117 ،122 ،137، 341 ،524،457، 1014) حادثاً إرهابياً لكل منها على التوالي.
وأظهرت الإحصائيات استشهاد أكثر من (8885) مواطناً عراقياً، وجرح (13326) آخرين؛ نتيجة الحوادث الإرهابية، نتج عنها العديد من الآثار، أهمها: تفاقم النزوح في هذا العام؛ إذ وصل إلى أكثر من (3) ملايين ونصف المليون نازح يعيش أغلبهم وضعاً اقتصادياً واجتماعياً صعباً.
تميز الإرهاب في هذه المرحلة بخصائص رئيسة عدة أغلبها امتداد لما سبقها من السنوات الماضية يمكن تلخيصها على النحو الآتي:
-
الطابع الجغرافي والإقليمي، إذ تركزت العمليات الإرهابية في محافظات الأنبار، نينوى، صلاح الدين، وديالى، مع تسجيل هجمات متفرقة في بغداد وكركوك وبابل. هذا التوزيع يظهر سعي كيان داعش الإرهابي إلى تثبيت وجوده في المناطق ذات الطبيعة الجغرافية المعقدة والحدودية، إضافة إلى المناطق التي تشهد تنوعاً مذهبياً وعرقياً يمكن استغلاله لخلق التوترات.
-
تنوع أساليب التنفيذ، اعتمد كيان داعش الإرهابي في 2015 على مزيج من الأساليب في تنفيذ عملياته الإرهابية، أبرزها ما يأتي:
-
-
السيارات المفخخة والعبوات الناسفة لاستهداف المراكز المدنية والأسواق الشعبية، فضلاً عن الهجمات الانتحارية ضد القوات الأمنية والتجمعات الشعبية.
-
الإعدامات الجماعية بحق الأسرى والمدنيين في المناطق التي يسيطر عليها التنظيم، بوصفها جزءاً من سياسة الترهيب.
-
استمرار الاغتيالات المنظمة لشخصيات إعلامية ودينية واجتماعية مؤثرة، بهدف إسكات الأصوات المعارضة، ولاسيما في المناطق الواقعة تحت سيطرتهم.
-
-
استهداف المدنيين بشكل مباشر، اتسمت العمليات بدرجة عالية من العشوائية، إذ استُهدف المدنيون في (الأسواق، دور العبادة، المآتم، والمناطق السكنية والتجارية)، وهو ما يظهر الطابع الطائفي والإرهابي العابر للقوانين والأعراف.
-
البعد الطائفي والإعلامي، سعى كيان داعش الإرهابي إلى تأجيج الانقسام الطائفي من خلال استهداف المراقد الدينية والمساجد والحسينيات والكنائس. وركّز على البعد الإعلامي عبر نشر مشاهد القتل والإعدامات لتضخيم صورته وخلق حالة من الرعب النفسي.
-
استخدام الإرهاب كأداة للسيطرة والتمويل، لم يكن الهدف من الإرهاب مجرد نشر الفوضى، بل كان وسيلة مباشرة لفرض السيطرة على الأرض والموارد. فقد اعتمد داعش على ترهيب السكان المحليين لضمان ولائهم أو منع مقاومتهم، كما استغل النفط والضرائب والابتزاز لتمويل عملياته.
-
اتساع النزوح الجماعي، أسهمت العمليات الإرهابية في 2015 بحدوث موجات نزوح ضخمة، إذ قُدّر عدد النازحين داخلياً بأكثر من (3.2) مليون شخص، النسبة الأكبر من النازحين جاءت من محافظات الأنبار (42%)، نينوى (32%)، وصلاح الدين (13%)، وهو ما أدى إلى أزمة إنسانية رافقت المشهد الأمني.
-
تراجع سيطرة كيان داعش الإرهابي على بعض المدن، على الرغم من خطورة الأحداث، إلا أن هذا العام شهد بداية تراجع داعش بفعل العمليات العسكرية للقوات العراقية والحشد الشعبي والتحالف الدولي. ومن أبرز الانتصارات كانت تحرير مدينة تكريت في شهر آذار 2015م، الذي يعد بداية كسر هيبة كيان داعش الإرهابي وتنامي الوعي المجتمعي بخطره.