banarlogo

تحرير آمرلي: ملحمة الصمود التي غيّرت معادلة الحرب على الإرهاب

د. عباس القريشي

 

 

يستذكر العراقيون في آب/أغسطس 2014 واحدة من أبرز المحطات المفصلية في حربهم ضد كيان “داعش” الإرهابي، حين تحولت مدينة آمرلي الصغيرة، الواقعة شمال شرق محافظة صلاح الدين، إلى رمز للصمود والإصرار في مواجهة حصار استمر أكثر من ثمانين يوماً.
وقد كانت معركة آمرلي أنموذجاً يُحتذى به في المقاومة الشعبية، وفيها تداخلت الإرادة الاجتماعية مع المواقف الدينية والدعم حتى جاء الدعم العسكري، لتحرير المدينة في 31 آب/ 2014م، لتفتح صفحة جديدة في مسار المواجهة ضد الإرهاب، ونبين هنا حقائق مهمة:
أولاً: صمود رجال وشباب وفتيان أهالي آمرلي في الدفاع عن النساء والأطفال والشيوخ؛ إذ أدرك سكان آمرلي منذ الساعات الأولى للحصار أن استسلامهم لـكيان “داعش” يعني تعرضهم لمجزرة إبادة جماعية، وانتهاكات لحقوق الإنسان، خاصة وأن خطاب الكيان الإرهابي كان معلناً بإبادة الشيعة، بل وأقدم على ذلك كما فعل في جريمته الدولية مع نزلاء سجن بادوش من الشيعة، واستهدافه النساء عبر السبي واختطافه الأطفال، وتجنيده القسري لهم أو القتل، وذبحه الشيوخ، والتهجير القسري في تلعفر، وقرية بشير التركمانية في كركوك.
وهذا الإدراك عزّز من لحمة المجتمع المحلي، فبات كل بيت بمثابة خندق، وكل فرد مقاتلاً أو مساهماً في الصمود، حتى النساء قمن بأدوار إسنادية في إعداد الطعام وتوفير المياه ومعالجة الجرحى، ما منح المقاومة طابعها الشامل والجامع.
ثانياً: دور رجال الدين الشيعة في تعزيز الصمود المجتمعي
لم يكن للسلاح وحده أن يضمن استمرار المقاومة طوال مدة الحصار؛ فقد برز دور رجال الدين الشيعة داخل المدينة، وخارجها الذين بثّوا روح الأمل عبر الخطب والمنابر، واللقاءات الدينية، والتواصل المستمر مع الجهات المعنية، مؤكدين أن الدفاع عن النساء والأطفال واجب شرعي لا يقل أهمية عن باقي الواجبات، وأن الصمود في وجه الظلم يمثل نوعاً من “الجهاد الدفاعي” وهذه المواقف أسهمت في ترسيخ ثقة المجتمع بقدرته على مواجهة الكيان الإرهابي والمتطرف، ورسخت القناعة بأن المقاومة ليست مجرد رد فعل عسكري، بل فريضة أخلاقية ودينية.
ثالثاً: فرقة العباس القتالية ودورها في فك الحصار
مع اقتراب نفاد المؤن داخل المدينة واشتداد الضغط العسكري، جاءت لحظة الحسم بتدخل القوات العراقية مدعومة بتشكيلات القوات الأمنية المسلحة كالجيش والحشد الشعبي، وكان لفرقة العباس القتالية دور محوري في عمليات الاقتحام وفك الطوق المضروب على المدينة، حيث أظهرت شجاعة كبيرة في مواجهة تحصينات الكيان الإرهابي، وإن دخول مقاتلي الفرقة إلى آمرلي لم يكن مجرد انتصار عسكري، بل إعلاناً عن انتصار الهوية الوطنية الجامعة في مواجهة مشروع الإبادة والتكفير.
رابعاً: آمرلي كرمز وطني وإنساني
لم يبقَ تحرير آمرلي حدثاً محلياً محصوراً في جغرافيا محدودة، بل تحول إلى رمز وطني للصمود، وإلى درس عالمي في كيفية قدرة المجتمعات الصغيرة على مواجهة أخطر التنظيمات الإرهابية في العصر الحديث. فالتحرير لم يكن إنقاذاً لمدينة محاصرة فحسب، بل كان إعلاناً عن إمكانية كسر شوكة “داعش” وتغيير مسار الحرب ضده.

 

 

المصادر
  1. United Nations, Report on the Protection of Civilians in Armed Conflict in Iraq, August 2014.
  2. خطبة ممثل المرجعية العليا في كربلاء، 13 حزيران/يونيو 2014، موقع مكتب السيد السيستاني.
  3. مركز الإعلام الحربي، تقرير معركة آمرلي، بغداد، 2015.