أ.د. حسين الزيادي
المرفق ربطاً وثيقتان، الوثيقة الأولى بعنوان إلقاء قبض صادرة من قبل قيادة فرع واسط ومعنونة إلى مسؤول تنظيمات واسط وميسان العدد 7/1/3361 بتاريخ 21/6/1997، وهي إعلام بعملية إلقاء القبض من قبل قيادة شعبة صدام بكتابها المرقم (4564) في 18/6/ 1997 على مجموعة من الأشخاص وضعت أسماؤهم في قائمة مرفقة مع الكتاب من الذين يرومون الذهاب سيراً إلى كربلاء، إذ تم تسليمهم من قبل قيادة الفرع إلى دائرة الأمن في قضاء النعمانية وناحية الأحرار، وذيل الكتاب بعبارة (للتفضل بالاطلاع وإعلامكم بكتاب لاحق بنتائج التحقيق)، ويلحظ من الوثيقة أن هؤلاء كانوا يرمون المسير إلى كربلاء، بمعنى آخر لم يتم إلقاء القبض عليهم خلال المسير، وهذا يعني أن إلقاء القبض يتم على النية والقصد والإرادة، والمدة الفاصلة بين عملية إلقاء القبض وإصدار الكتاب هي ثلاثة أيام، وما زال الأشخاص في دائرة الأمن لحين إكمال التحقيق، ولم يتسنَ لنا معرفة المدة التي قضاها هؤلاء في دائرة الأمن، ولا الحكم الصادر بحقهم، ولم يتضح عدد الذين ألقي القبض عليهم، لكن مضمون الوثيقة أشار إلى أن أسماءهم أرفقت في قائمة ملحقة مع الوثيقة.
الكتاب الثاني صادر من مديرية أمن مدينة صدام، ومعمم إلى كافة معاونات الأمن يحمل العدد (4554) بتاريخ 4/5/ 2002، ومضمون الكتاب أن هناك إعلاماً من مديرية أمن بغداد بقيام بعض المواطنين بممارسة السير على الأقدام من المحافظات باتجاه محافظة كربلاء سالكين الطرق النسيمية؛ لغرض تجنبهم المفارز المشتركة؛ لاتخاذ ما يلزم وإخراج مفارزكم ودورياتكم على تلك الطرق، والقبض على ممارس هذه الظاهرة (الطريق النيسمي مصطلح عسكري يعني الطريق الذي مهدته الأقدام).
إن ممارسة الشعائر الدينية حق أصيل من حقوق الإنسان، أكدته وكفلته المواثيق والاتفاقيات والإعلانات الدولية، بالنظر لأهمية حق الإنسان في حرية عقيدته وحرية ممارسة شعائره الدينية، وقد نظمتها تلك العهود والمواثيق في نصوص قانونية واضحة توجب الاتباع والاحترام، ومنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948 في المادة (18) منه، كذلك المادة (9) من الاتفاقية الأوروبية لعام 1950، والمادة (18) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية لعام 1966، والمادة (12) من الاتفاقية الأمريكية لعام 1969، والمادة (30) من الميثاق العربي لحقوق الإنسان لعام 2004.
وبعد كل هذا فإن الإساءة إلى تلك الشعائر، وإلقاء القبض على أصحابها يشكل انتهاكاً للحرمة والحرية الدينية، وبالتالي فإن هذه الإساءات الموجهة إلى تلك الشعائر الدينية هي نمط من أنماط الإرهاب الفكري؛ ذلك لأن هذه الإساءات ربما تكون أشد أثراً من الإرهاب المادي.
إن الوثائق المرفقة وإجراءات نظام البعث تتعارض مع مواد الدستور لسنة 1970 المؤقت، والذي يفترض أن يقيد تصرفات النظام، فقد نص هذا الدستور في الباب الثالث منه وتحت عنوان الحقوق والواجبات الأساسية، وفي المادة الستة والعشرين على أنه ( يكفل الدستور حرية الرأي والنشر والاجتماع والتظاهر وتأسيس الأحزاب السياسية والنقابات والجمعيات وفق أغراض الدستور وفي حدود القانون، وتعمل الدولة على توفير الأسباب اللازمة لممارسة هذه الحريات، أما المادة الخامسة والعشرون منه فقد نصت على أنه: حرية الأديان والمعتقدات وممارسة الشعائر الدينية مكفولة على أن لا يتعارض ذلك مع أحكام الدستور والقوانين، وأن لا ينافي الآداب والنظام العام، أما قانون العقوبات العراقي (111) لسنة 1969؛ فقد جاء في المادة (372) من قانون العقوبات العراقي: يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات أو بغرامة لا تزيد على ثلاثمائة دينار:
-
من اعتدى بإحدى طرق العلانية على معتقد لأحدى الطوائف الدينية أو حقّر من شعائرها.
-
من تعمد التشويش على إقامة شعائر طائفية دينية، أو على حفل أو اجتماع ديني، أو تعمد منع أو تعطيل إقامة شيء من ذلك.
-
من خرب أو أتلف أو شوه أو دنّس بناء معداً لإقامة شعائر طائفية دينية أو رمزا أو شيئا آخر له حرمة دينية.
-
من طبع ونشر كتابا مقتبسا عند طائفة دينية إذا حرف نصه عمدا تحريفا يغير من معناه، أو إذا استخف بحكم من أحكامه أو شيء من تعاليمه.
-
من أهان علنا رمزا أو شخصا هو موضع تقديس أو تمجيد أو احترام لدى طائفة دينية.
-
من قلد علنا ناسكاً أو حفلا دينيا بقصد السخرية منه.
خلاصة القول إن الوثائق المرفقة تشير بمنتهى الوضوح إلى مخالفة نظام البعث للاتفاقيات والمواثيق الدولية، فضلاً عن مخالفتها للدستور العراقي المؤقت لسنة 1970، وقانون العقوبات العراقي، لقد تناسى هذا النظام أن أعاصير الزمن تطحن الطغاة، ومواكب العاشقين تنسج الخلود الأبدي حين تسقط الأصنام، لتبقى القلوب ساجدة في محراب العشق الحسيني، ومتيمة في طريق الحسين (عليه السلام)، فالطغيان زبد يذهب جفاءً وزيارة الأربعين شجرة تعلو فيها جذوة القيم، وتطحن أصنام الظلم والاستبداد.