banarlogo
الجلاد المفقود

دكتور سه ربه ست نادر عبدول

جامعة السليمانية

 

 

 

عجاج حردان التكريتي: الجلاد المجهول في قلعة نكرة السلمان، وذاكرة الإبادة الكوردية

تُعدّ جريمة الأنفال التي ارتكبها النظام البعثي السابق ضد الشعب الكوردي واحدة من أسوأ جرائم الإبادة في العصر الحديث. ولئن تمّت محاكمة بعض رموزها علنًا، فإن مجرمين آخرين أفلتوا لعقود، ومنهم عجاج حردان التكريتي، الذي شغل منصب مدير قلعة نكرة السلمان في جنوب العراق، التي حُوّلت إلى معتقل صحراوي رهيب للآلاف من الكورد الأبرياء. مارس هذا الشخص شتى صنوف التعذيب والقتل والاغتصاب ضد المدنيين العزّل، وهو أحد أبرز أذرع الإبادة الميدانية التي ظلّت طيّ الكتمان حتى إعلان القبض عليه من قبل جهاز الأمن الوطني العراقي في تموز 2025.

حملة الأنفال لم تكن مجرد حملة عسكرية ضد “التمرد الكوردي” كما زعم النظام السابق، بل كانت خطة ممنهجة للإبادة الجماعية، اتخذت طابع التطهير العرقي والطائفي، ومن بين المواقع السوداء التي تحتلّ مكانة مرعبة في ذاكرة الناجين هي قلعة نكرة السلمان في محافظة المثنى؛ إذ احتُجز فيها الآلاف من النساء والأطفال والمسنين بعد اختطافهم من قراهم في كرميان وبادينان وحلبجة وسيد صادق وغيرها. وكان يدير هذه القلعة أحد أبرز الجلادين: عجاج حردان التكريتي.

من هو عجاج حردان التكريتي؟

ولد في مدينة تكريت، وكان ضابطاً أمنياً رفيعاً في جهاز المخابرات والاستخبارات العسكرية، ارتبط اسمه بمواقع عدة من قمع المعارضين، لكنه عُرف بصورة خاصة بإدارته لقلعة نكرة السلمان خلال عمليات الأنفال (1987–1988). ووفقًا لشهادات ناجين وتحقيقات منظمات حقوق الإنسان، عُرف بقسوة قلبه وافتقاده للإنسانية، حتى لقّبه بعض الضحايا بـ “السفّاح الصحراوي”.

قلعة نكرة السلمان: من معتقل إلى مسلخ جماعي

كانت القلعة في الأصل مركزًا عسكريًا عثمانيًا قديمًا، لكن النظام البعثي حوّلها إلى معتقل جماعي معزول في عمق الصحراء، وتعرض المعتقلون فيها لأسوأ ظروف العيش: الجوع، والعطش، والأمراض، والإهانة المستمرة. أما الأفظع فكان ما مارسه التكريتي شخصيًا أو بأوامره من:

  • إعدامات جماعية بحق الشباب دون تهمة.
  • الاعتداء الجنسي المنهجي على النساء والفتيات.
  • ترك الأطفال يموتون جوعًا أو حرقًا تحت الشمس.
  • الإذلال اليومي للأسرى من خلال التعذيب النفسي والجسدي.
  • الدفن السريع للجثث أو تركها في العراء للصحراء والكلاب السائبة.

الاعتقال بعد أكثر من (35) عامًا من الفرار

أعلنت السلطات العراقية في نهاية تموز 2025 عن القبض على عجاج حردان التكريتي بعد عملية استخبارية دقيقة، إذ كان يعيش بهوية مزورة في محافظة عراقية أخرى، وصرّح جهاز الأمن الوطني بأنه سيُحاكم على وفق قانون المحكمة الجنائية العراقية العليا، بتهم تتعلق بجرائم إبادة جماعية، وجرائم ضد الإنسانية، وانتهاك القانون الدولي الإنساني.

أبعاد قانونية وإنسانية لاعتقاله

1- العدالة المؤجلة: يمثل اعتقال التكريتي بصيص أمل لعائلات آلاف الضحايا الذين لم تُكشف مصائر أبنائهم بعد.

2- الشهادة الحيّة: حضوره للمحكمة يُعد فرصة تاريخية لتوثيق مزيد من التفاصيل عن إدارة المعتقلات السرية.

3- مسؤولية الدولة: مطالبة الحكومة العراقية والسلطة القضائية بضمان محاكمة شفافة وعادلة، بعيدًا عن التسويات السياسية.

4- ملاحقة المتبقين: الكشف عن أسماء المتورطين الآخرين في جرائم الأنفال الذين ما زالوا طلقاء داخل العراق أو خارجه.

أهمية توثيق الجرائم في نكرة السلمان

على الرغم من أهمية حلبجة وكرميان وبادينان في ذاكرة الأنفال، إلا أن سجن نكرة السلمان ما يزال من المواقع التي لم تُوثّق بعمق في الأدبيات الجنائية. ويمثل التكريتي عنصرًا أساسيًا في استعادة أرشيف الجرائم، وأسرار ما جرى في الصحارى من فظائع بحق الأبرياء. وينبغي إشراك الناجين في جلسات الاستماع، وضمان توفير الحماية لهم، وتقديم رواياتهم كشهادات تاريخية وجنائية.

إنّ اعتقال عجاج حردان التكريتي ليس حدثًا عابرًا، بل يمثل مرحلة مفصلية في مسيرة العدالة الانتقالية في العراق، هو ليس فقط أحد أدوات نظام دموي، بل أحد رموزه، ممن جسّدوا القسوة والتجرد من القيم، واعتبروا التعذيب والقتل وسيلة للحكم. إن محاكمته العلنية، وتوثيق جرائمه بدقة، يمثلان انتصارًا للحق، ودرسًا للأجيال بأن الجرائم الكبرى لا تموت بالنسيان، ولا تسقط بالتقادم.