banarlogo

الرئيس الذي حاصر شعبه! انتهاك الحقوق الاقتصادية للمواطن العراقي في حكم البعث الصدامي

د. رائد عبيس

عضو المركز العراقي لتوثيق جرائم التطرف

 

 

يعد العامل الاقتصادي واحداً من شروط قيام الدول واستقرارها وتطورها، بل يعد مقوماً أساساً في كل حكم وإدارة، إن حزب البعث الصدامي أدرك أهمية هذا العامل في استقرار الأنظمة، إلا أنه جعل منه وسيلة وأداة لتقويض الاستقرار الغذائي والأمن الاقتصادي للجماعات في عموم محافظات العراق، وارتكب كل أركان هذا الانتهاك لصالح أمنه، ونظامه، ومغامراته الحربية والحزبية؛ فاتبع مثلا سياسة التهجير والنزوح القسري لسكان القرى الزراعية الكوردية، وهجر عشرات الآلاف من أهالي تلك المناطق في السليمانية، ودهوك، وكركوك، وأربيل، بل جرد ما فيها من مزروعات، وصادر الحيوانات، وجرف الأراضي تماماً.

وارتكب الجرم نفسه في بلد والدجيل، عندما جرف البساتين الزراعية، وسد الأنهر، وطمر الترع، ومنع زراعة المحاصيل، وهجر أهل هذه البلدات؛ بسبب عملية اغتيال فاشلة استهدفته.

وفي الجنوب ومناطق الفرات الأوسط، هجر قرى كاملة من مناطق الأهوار التي كانت تعيش على الأهوار، وصيد الأسماء، وتربية الجاموس، والمواشي، بحجة ملاحقة المطلوبين، والهاربين عن الخدمة العسكرية، ومعارضي النظام.

وبسبب فوضوية النظام البعثي، ومغامراته العسكرية، ولا سيما بعد غزو الكويت، فرض على العراق بسببه حصار اقتصادي أدى إلى وفاة ما يقارب نصف مليون طفل عراقي جراء سوء التغذية، واستمر الأمر حتى سقوط النظام في 2003.

وبما أن النظام البعثي اعتاد على تجاوز القانون، وممارسة الانتهاكات، وعلى كل المستويات، فكان الشعب العراقي فاقداً لكل أمن غذائي واستقرار اقتصادي من الشمال إلى الجنوب، وبسبب عوامل متعددة منها مباشرة ومنها غير المباشرة، منها تأتي كعقوبات دولية على النظام، إلا أن الشعب العراقي تضرر بسببها، ومنها استهداف مباشر بالتجويع، والتعطيش، والإهمال المتعمد للمشاريع الاقتصادية، وتعطيل بعضها، وطرد عمال عراقيين منها بحجة المعارضة، والولاءات السياسية المعادية، أو بسبب التمييز الطائفي والمناطقي.

لا يخفى أن نظام البعث كان قد مارس شوفينية بغيضة تجاه القومية الكردية، والطائفة الشيعية، وازدراء كبير لكل قيمهم وحقهم في ممارسة طقوسهم، وحرياتهم السياسية، ورغيتهم في إدارة الدولة.

فما كان من النظام البعثي إلا أن مارس مثل هذه الانتهاكات، وكانت أبرزها ما تعرض له الشعب الكوردي من عداء واضح من قبل حزب البعث وحكومته.

فقد فرض على الكورد حصاراً اقتصادياً بشكل مباشر وغير مباشر، كما جاء في كتابه السري في أدناه، وهي وثيقة تؤكد هذا الانتهاك الذي استند به على دراسة مقدمة له بهذا الشأن تشير إلى أهمية (تطبيق الحصار الاقتصادي) – كما جاء في نص الكتاب – على المناطق الكوردية في السليمانية وغيرها؛ لأن الكتاب كان يحمل مخاطبة إلى مديريات أمن الحكم الذاتي كافة، وقد وصفت الوثيقة التي تحمل طابع الـ (سري وشخصي) المقاتلين الكورد (بزمر التخريب)، وبالتأكيد كان يعني بهم المعارضين لحكمه، والرافضين لسلطته في مناطق الحكم الذاتي في شمال العراق. وكان الكتاب يقضي بتطبيق قرار فرض الحصار الاقتصادي على أبناء القومية الكوردية، كجزء من عقاب جماعي نتج عن ملاحقة من أسماهم الكتاب بـ(زمر التخريب). وكان من نتيجة هذا الاستهداف تعرض كثير من الكرد إلى الضرر المباشر نتيجة هذا الحصار الذي فرض على هؤلاء المقاتلين الموصوفين بهذا الكتاب (بزمر التخريب) نتيجة محاصرة مناطقهم، أو شمولهم بهذه العقوبة نتيجة تعاونهم مع مقاتليهم، أو تضررهم بشكل غير مباشر نتيجة ما يفرض على هؤلاء المقاتلين الموصوفين بـ(زمر التخريب) من حصار وملاحقة يجعل مزاولة العمل اليومي والتجاري والاقتصادي صعب عليهم. وبما أن القرار صدر عن المجرم (علي حسين المجيد)، شقيق الرئيس صدام حسين الذي أسندت إليه مهام إدارة عمليات مناطق الحكم الذاتي وملفها، ومسؤولية مكتب تنظيم الشمال للحزب، والتصدي للمعارضة فيه، حتى وصل الأمر إلى استعمال الأسلحة الكيمياوية في عمليات الأنفال المشهورة في (1988-1989)، فهذا يؤكد النزعة الشوفينية التي كان يحملها النظام في طبيعة إدارة حكمه، وتصديه للقوميات، والمذاهب، والمكونات المعارضة له، وحجم الانتهاكات التي كان يمارسها تحت هذه العناوين الرسمية وغير الرسمية، المتجاوزين بها كل المواثيق، والمعاهدات، والدساتير، والتشريعات المحلية الأخرى التي تضمن سلامة أمن المواطن الغذائي، وضمان حياة كريمة له، بعيداً عن مناطق الصراع، والنزاع، والعمليات العسكرية والسياسية الاقصائية التي كان يمارسها النظام البعثي بحق أبناء الشعب العراقي عامة، واقتصر الأمر في تأمين حياة اقتصادية مترفة على من يشاركه القتل، ونزف الدماء، وتبديد الحقوق، وهدر خيرات هذا البلد الاقتصادية والمالية، حتى بات شعبه من أفقر شعوب المنطقة، وأقلهم استثمارا لموارده وخيراته.

فكان قد أشار دستور البعث الموقت لسنة 1970 في المادة (12) منه ب، على تحقيق الوحدة الاقتصادية العربية، متجاهلاً القوى الاقتصادية من غير العربية في الداخل العراقي، لأن الدستور المحلي لا يمكن أن يخاطب من غير العراقيين من العرب في تحقيق التنمية الاقتصادية، وكان المفروض أن يشير الدستور إلى تكامل اقتصاد عراقي تكفل به الدولة رفاهية المواطن العراقي فيه، لا أن يكفل المجتمع له هذا الحق، وهو لم يملكه بعد! كما جاء في المادة 10 منه.

أما في العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فقد ضمن عدم ممارسة أي تمييز بسبب اللون أو العرق أو القومية بحق الآخرين، وأضاف ميزة للدول النامية بمراعاة الحقوق الاقتصادية لعامة المواطنين، وعدم حرمانه منها، وجاء ذلك في المادة الثانية منه 2-3. إلا أن ذلك لم يجد له طريقاً إلى التطبيق في سياسة حزب البعث الجانحة صوب التخبط في إدارة الدولة التي بددت اقتصاده وأهلكت شعبه عبر فرض الحصار وتخريب مقوماته الاقتصادية.

الوثيقة جزء من الأرشيف الكوردي