الأستاذ عبد الهادي الركابي
بعد أن انفرط عقد الجبهة الوطنية التقدمية التي شكّلها صدام مع الحزب الشيوعي العراقي وبعض الأحزاب الكردية عام 1972م، كان صدام قد ارتقى سلم السلطة الذي كان يحلم به في تسنمه منصب (نائب رئيس مجلس قيادة الثورة، ونائب أمين سر القطر، ومسؤولية المكتب العسكري، ومسؤولية المكتب الثقافي في القيادة القومية، وعضو القيادة القومية والقطرية). استطاع صدام أن يسيطر على أحمد حسن البكر بعد أن استطاع أن يوظف كل إمكانيات العراق في تصفية الخصوم، بما فيها الحزب الشيوعي العراقي بشقيه اللجنة والقيادة، والأحزاب الإسلامية والقومية، ووصل الأمر إلى إصدار قانون يخص حزب الدعوة الإسلامية في العراق يحكم فيه بالإعدام على كل منتسب لهذا الحزب وبأثر رجعي.
وأسهم صدام التكريتي في محاربة علماء الدين الشيعة المؤثرين في المجتمع، وقام بإعدام العديد منهم كالشهداء الخمسة الشيخ عارف البصري ورفاقه، والشهيد محمد باقر الصدر، والشهداء من آل السيد محسن الحكيم وغيرهم كثير.
ونفذ النظام البعثي عمليات اغتيالات كثيرة بطرق متنوّعة منها: القتل بالسموم، والقتل غرقاً، والقتل بصدم السيارات، والشنق، والرمي بالرصاص، والقتل بالسكين أو بالسيف. وهناك طرق ابتكرتها الأجهزة المتخصصة في أساليب التعذيب والموت، وأسهمت ألمانيا الشرقية في تزويده بالمعدات والطرق والخبراء.
واستطاع الجهاز السري لصدام أن يقوم بإنشاء أول جهاز متطور للمخابرات في العراق يضم بين مستشاريه خبراء من مجموعة الدول في المعسكر الاشتراكي التي تعاونت في هذا المجال إلى أبعد الحدود، في كل المجالات التقنية والتدريب وأساليب التحقيق والتعذيب. ومن الأجهزة التي استوردها النظام البعثي هي مفرمة كهربائية ذات سكاكين كبيرة؛ لتقطيع أجساد البشر إلى قطع صغيرة لترمى فيما بعد طعاماً للأسماك التي يهوى صدام تربيتها في بحيرات قصوره العديدة.
وفي مطلع عام 1980م بدأ صدام بتشغيل ماكنة المجازر الجماعية الرهيبة وقيادتها؛ إذ قام الطاغية بقتل الملايين من أبناء شعبنا العراقي من عرب وأكراد وتركمان وأكراد فيلية ومسيحيين وصابئة وغيرهم، وتهجير مئات الآلاف منهم بعد مصادرة أموالهم وممتلكاتهم، وحتى هوياتهم وجنسياتهم وجوازات سفرهم. ومنذ 17 تموز 1968م، أنتجت ماكنة الإجرام الصدامية إبداعات جرمية تضاف إلى عقوبة الإعدام.. مثل تعليق جثة المعدوم بضعة أيام في الشوارع العامة ووسط احتفالات رسمية وشعبية، ومصادرة الأموال المنقولة وغير المنقولة، وشمولية العقوبة لأقارب المعدوم حتى الدرجة الرابعة، ومنع إقامة مجلس العزاء، وإلغاء قيده من السجلات والوثائق الرسمية، وإجبار ذوي الضحية على تقديم اعتذار للسلطة، وتغريمهم ثمن الإطلاقات النارية التي يعدم بها الضحايا.
أما الكيفية التي ينفذ بها الإعدام؛ فقد طرأت عليها تغيرات أيضاً، فأخذ ينفذ بالسم أو بالسيف أو حوادث السيارات أو تحت التعذيب الشديد، أو التقطيع التدريجي لأعضاء الجسد والتشويه، أو إلقاء المتهم من سطح بناية عالية، أو إلقائه بحوض من الحوامض المركزة التي تذيب اللحم والعظم (حامض الكبريتيك أو النتريك المركزين). واختلفت أيضاً طريقة تسليم (المعدوم) إلى ذويه .. فهناك من يتم تسليمه ومكتوب على الصندوق الذي يحتوي الجثة عبارة (خائن للوطن)، أو عبارة (يمنع فتح الصندوق)، والبعض يسلم إلى ذويه (رقم قبر) فقط .. ويحدد لهم تاريخ زيارة المقبرة الخاصة.. بعد بضعة أشهر مثلاً، ولكن أكثرية الذين أعدمهم النظام لم يتم تسليم جثثهم إلى ذويهم؛ إذ دفنوا في مقابر جماعية تم كشف الآلاف منها بعد سقوط نظام صدام حسين عام 2003م .
المصدر : عبد الهادي الركابي ، حقائق تسندها وثائق ج1 ، “مخطوط” 2021م