banarlogo

النهج الطائفي لنظام البعث في العراق

د. فادية يعكوب يوسف

كلية التربية للبنات

 

الطائفية هي نزعة سياسية لا علاقة لها بالعقائد الدينية أو المذهبية، وإنما استغلت الخلافات المذهبية لأغراض مصلحية بعيدة عن الدين، وتطورت هذه الخلافات لتصبح عصبا أعمى أشبه بالعصبية القبلية،
وأخذت مؤخرا أبعادا عنصرية لا تختلف عن الفاشية، والنازية بالمعنى الحديث، ولكن بغطاء ديني ومذهبي، يستخدمها سياسيون علمانيون هم أبعد ما يكونون عن روح الدين والتديُّن الحقيقي، بل يستغلون أبناء طائفتهم لتحقيق أغراضهم السياسية، ومصالحهم الشخصية المادية، والحفاظ على نفوذهم وسلطاتهم في الدولة على حساب أبناء الطوائف الأخرى. ويستثنى من هذا التعريف أتباع الوهابية من التكفيريين. فالوهابية تعتمد على الفقه الحنبلي، التزمت بآراء ابن تيميه التكفيرية، وآراء مؤسس الحركة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، في محاربة المختلف عنهم في الدين والمذهب، ويسوغون إبادتهم اعتماداً على تفسيرهم الخاطئ للإسلام، إن الطائفية العراقية هي سياسية شبه محضة ذات علاقة بالسلطة، فالطائفية لم تحدث على الأغلب وبالدرجة الأولى بين المواطنين أنفسهم، ولا بين مدينة ومدينة ومحلة ومحلة، وإنما بين الناس والسلطة التي التزمت بمذهبٍ حاكم غير مذهب المحكوم، والذي بطبيعتهِ يظهر بشكلٍ سلبي على الناس الذين ينتمون لغير طائفة الحاكم، فتبدأ وتعم الطائفية بين الناس، إذ إن جذورها قد بدأت مع السلطة الحاكمة(١)
ومن ذلك أيضاً يمكن الإشارة إلى أن الطائفية في العراق هي إفراز وامتداد لطائفية الأنظمة الاستبدادية وأداة من أدواتها التي تستخدمها ضد وحدة المجتمع وتآلفه، فليس كل سلطة تولد طائفية، إلا السلطات الاستبدادية المنتهكة لحقوق الشعب من الطوائف الأخرى، وتغدق بالخيرات والامتيازات على الطائفة التي تنتمي هي إليها .
” إن النهج الطائفي أداة للقهر والسيطرة السياسية، أوجدهُ حكم الاستبداد المطلق والقهر السياسي والعنصري القومي والديني، فالكلام عن النهج الطائفي لا يُقصد منه العداء بين المنتسبين للأديان المختلفة، ولا تفضيل الأفراد لهذهِ الجماعة المذهبية أو تلك، ولا ممارسة شعائر دينية معينة، فتلك قضايا تتعلق بالأفراد أكثر ما تتعلق بتكوين أنظمة الحكم السياسية، إنما يعني النهج الطائفي نظاماً معيناً للحكم يقوم على هيمنة أقلية دينية أو طائفية على السلطة السياسية واحتكارها للامتيازات الاقتصادية والمكانة الاجتماعية المتأتية من السيطرة على مقاليد السلطة ” ٢ .
من ناحية أخرى يؤدي النظام الطائفي إلى إضعاف مقاومة المحكومين على الرغم من أنه يدفعهم للتكتل ضد الطوائف الأخرى.

والتمييز الطائفي أعلى مراحل التمييز في المجتمع البشري، وهو يختلف عن التمييز العنصري الذي يشترط وجود عنصرين أو نوعين أو لونين من البشر؛ إذ يجد دُعاة العنصرية في اللون واختلاف المنشأ واختلاف مصالح العرقين سبباً للتمييز والاضطهاد، بينما يحصل التمييز الطائفي داخل النوع الواحد واللون الواحد.
وإذا كان التمييز العنصري قد ظلم الجماعات الملونة واستغل طاقاتهم الإنتاجية بغير حق، فالتمييز الطائفي في العراق قد تجاوز هذه المرحلة إلى تدمير الثروة القومية لمعاقبة مدن وأقاليم تنتمي لغير مذهب السلطة الحاكمة، لقد شهد عهد حزب البعث في العراق تهميشًا ممنهجًا للطوائف غير السنية، خاصةً الشيعة، بالإضافة إلى استخدام الطائفية كأداة سياسية لترسيخ حكمه، تضمن ذلك استبعادهم من المناصب القيادية، وتقييد حرياتهم الدينية والثقافية، وتهميش دورهم في المجتمع٣.
أسباب النهج الطائفي في عهد البعث:
ا- الإيديولوجية البعثية: على الرغم من شعارات الوحدة العربية التي رفعها الحزب إلا أن أيدلوجيته كانت تتركز على القومية العربية؛ مما أدى تهميش الطوائف والأقليات غير العربية.
-الحفاظ على السلطة:
استخدم البعث الطائفية كأداة لتقسيم المجتمع وتشتيت جهود معارضيه، مما سهل عليه السيطرة على السلطة ومنع أي تحرك ضده.
استغلال الخلافات الطائفية:
قام النظام البعثي بتأجيج الخلافات الطائفية، واستغلالها لصالحه من خلال دعم فئة ضد أخرى، مما زاد من حالة الاستقطاب الطائفي في المجتمع.
تزيف التاريخ:
قام النظام البعثي بتزييف التاريخ وتشويه صورة الطوائف الأخرى؛ مما أسهم في زيادة حالة العداء والتوتر بين الطوائف المختلفة.
سياسات التمييز والإقصاء:
شملت هذه السياسات استبعاد أبناء الطوائف غير السنية من المناصب القيادية في الدولة، وتهميش دورهم في المؤسسات الحكومية والأمنية.
القمع والترهيب:
استخدم النظام البعثي القوة والعنف لقمع أي تحرك معارض، خاصةً على الطوائف التي اعتبرها تهديدًا لسلطته، مما أدى إلى تفاقم حالة الانقسام الطائفي.

• الانقسام الطائفي:
أدى النهج الطائفي الذي اتبعه حزب البعث إلى تعميق الانقسامات الطائفية في المجتمع العراقي، مما أضعف النسيج الاجتماعي للدولة.
وهكذا كانت الطائفية البعثية التي امتدت إلى كل أركان الحياة، فقامت بالتهميش والإقصاء لكل ما تراه لا يناسبها وترجيح كفة جهة على أخرى، فكونت بذلك إمبراطورية طائفية استحوذت على كل مقدرات البلاد وصدّعت أسس المجتمع وأركانه، في حين اغتنى من كان ينتمي للسلطة الطائفية على حساب قوت وقيم وكرامة الفئات الأخرى التي ابتغت عدلاً تتساوى فيه مع باقي أفراد الشعب ؛ الأمر الذي أحال البناء المؤسسي وحياة المجتمع إلى أزمات أثقلت كاهلهِ وأحالتهُ إلى بؤرٍ من المرض والقلق والخوف والانهيار، وهناك شهود وأدلة كثيرة موثقة تؤكد طائفية حزب البعث في عهد صدام حسين٤، نورد في هذا المقال بعضاً من تلك الشواهد.
بلغت الطائفية بعد مجيء البعث الثاني إلى السلطة في انقلاب 17-30 تموز 1968 حداً لم يسبق له مثيل، خاصة في المدة التي تبوأ فيها صدام حسين رئاسة الجمهورية في تموز/يوليو 1979، وانفرد بكل المناصب والمهمات الكبرى في الدولة. فرغم أن حزب البعث هو حزب قومي، وحدوي، وعلماني، ودستوره يؤكد العلمانية ومحاربة الطائفية، وكانت أكثر كوادره المدنية في الخمسينات وأوائل الستينات شيعية، ولكن بعد حركة 18 تشرين الثاني 1963، التي قادها عبدالسلام عارف، بدأ التوجه الطائفي في حزب البعث، وعندما استلموا السلطة ثانية عام 1968، بدأت عملية تصفية الكوادر الشيعية في قيادة الحزب، إما عن طريق حوادث الطرق، أو الإعدامات بتهمة التآمر على الحزب والدولة، إلى أن تم حصر قيادة الحزب بيد العشيرة التكريتية وعائلة صدام حسين نفسه٥.
لقد نشر العميد الركن نجيب الصالحي (الفريق الركن بعد التحرير عام 2003)، كتاباً قيماً في أواخر التسعينات من القرن المنصرم، بعنوان (الزلزال)، وكان المؤلف شاهد عيان على أحداث كثيرة في تلك المرحلة، خاصة فيما يتعلق بالتمييز الطائفي في عهد حكم البعث، وانتفاضة آذار 1991، لذلك نقتطف هنا بعض الفقرات من هذه الشهادة الموثقة لشاهد عيان، عاش المرحلة بنفسه، فيقول العميد الصالحي: “بعد عام 1968 بدأ القبول في الكليات العسكرية بحسب ترشيح حزب البعث من كل أنحاء العراق،… ولكن فشل حركة ناظم كزار (الشيعي) عام 1973، إذ ألغيت تلك الضوابط وحلت محلها ضوابط سرية تعتمد التمييز الطائفي (المذهبي) والإقليمي (المناطقي) أساساً في القبول … أما كلية الأمن القومي التي شكلت بإشراف جهاز المخابرات منتصف السبعينات، فكان القبول فيها يتم إنتقاءً من أقضية ونواحي وقرى محددة. وكنتيجة لحرمان الشيعة من الدخول في الكلية العسكرية، انحصر قبولهم كجنود وضباط صف، لذلك يتهكم العسكريون على محافظة ذي قار (الناصرية)، بأنها مدينة المليون نائب عريف، إشارة إلى العدد الكبير جداً من مراتب القوات المسلحة العراقية (جندي، عريف، رئيس عرفاء، نائب ضابط) ٦الذين ينتمون إلى تلك المحافظات الجنوبية (الشيعية). ولكن لو تساءلنا، كم ضابطاً؟ وكم ضابط ركن؟، وكم قائد فرقة أو قائد فيلق ينتمي إليها مقابل هذا العدد الهائل من المراتب والجنود؟ وما ترتب عليه من تقديم شهداء وتضحيات؟ فستكون الإجابة مخجلة حقا! .. والتهمة الطائفية جاهزة لتلبيسها برأس من يحاول الحديث عن هذا الموضوع وخاصة عندما يكون المتحدث من أهل ذي قار.، ومن نتائج التمييز الطائفي، والعرقي أن اتخذت المظالم ضد الشيعة العرب والكرد شكلاً متطرفاً في عهد حكم البعث الثاني (1968ــــــ 2003)؛ إذ انفرد النظام، ولأول مرة في تاريخ العالم وبدوافع طائفية، وعنصرية صرفة، بإصدار قانون إسقاط الجنسية رقم 666 لسنة 1980 الذي قام بموجبه بإسقاط الجنسية عن مئات الألوف من الشيعة العرب والكرد الفيلية، وتهجيرهم بالقوة بتهمة التبعية الإيرانية، وتم تنفيذ هذا القانون بمنتهى القسوة والوحشية، وذلك بإلقائهم على الحدود الإيرانية الملغومة أيام الحرب العراقية- الإيرانية بعد أن جردهم النظام من جميع وثائقهم الرسمية التي تثبت عراقيتهم أباً عن جد، ومصادرة ممتلكاتهم المنقولة وغير المنقولة،كذلك شجع حكم البعث العراقيين على تطليق زوجاتهم المتهمات بالتبعية مقابل مكافئة قدرها ثلاثة آلاف دينار عراقي (نحو عشرة آلاف دولار آنذاك) للمدني، وأربعة ألاف دينار (نحو 13 ألف دولار) للعسكري، وقام نظام البعث بحروب إبادة الجنس ضد الأكراد في عمليات الغازات السامة في حلبجة، والأنفال، وعمليات التغيير الديموغرافي ضد الأكراد عن طريق التهجير القسري الداخلي والخارجي ضدهم، وإرغام نحو أربعة ملايين من العراقيين على الهجرة إلى الشتات، معظمهم من الشيعة، والكرد، والتركمان واستورد مكانهم نحو أربعة ملايين من مواطني البلدان العربية، وعاملهم كمواطنين عراقيين يتمتعون بكافة حقوق المواطنة، إضافة إلى مكافئات مالية لتسهيل أمور نقلهم واستقرارهم في العراق،
واستخدم نظام البعث أخس وسائل الدعاية والإعلام لبث الرعب في نفوس أهل السنة وخاصة أبناء الرمادي والموصل وتكريت، مفادها أن هذه الحركة (انتفاضة آذار1991) هي ضد السنة وإذا انتصر الشيعة٧ فسيقتلونهم جميعا، وأن مصيرهم مرتبط بالنظام، والغرض من هذه الإشاعات تشويه سمعة الثوار ووصفهم بالوحشية، والغوغائية، والطائفية، في الوقت الذي كان الثوار يتساهلون كثيرا مع من يقع تحت ايديهم من أزلام النظام. ومن جهة أخرى حث أهل السنة في الاستماتة بالدفاع ولكن الحقيقة كانت خلاف ما يبثه النظام، إذ يشهد الفريق الصالحي في هذا الصدد قائلاً: “كان الثوار في أغلب الأحوال يتساهلون مع أزلام السلطة الذين يقعون في الأسر .. بينما ما حصل للثوار الذين سقطت مواقعهم القتالية، ووقعوا أسرى بيد قوات لحرس الجمهوري أو الحرس الخاص، حيث كانوا يُرصَفون على الشارع المعبد وتدوسهم سرف الدبابات طولا وعرضا… ولم يبق من أجسادهم سوى أثر مطبوع على الأرض. وقد ذهلت من المشهد عندما شاهدته لأول مرة بعد دخول الحرس الجمهوري إلى مدخل مدينة السويب شمال القرنة عند اقتحامها يوم ((15/ 3/ 1991)
“لقد نجح النظام إلى حد ما في إثارة المخاوف في نفوس أبناء تلك المحافظات (الشمالية لغربية) التي سماها بالمحافظات البيضاء وهي: صلاح الدين (تكريت) والأنبار(الرمادي) ونينوى (الموصل)، من إمكانية نجاح الإنتفاضة في محافظات الجنوب والوسط التي سماها بالمحافظات السوداء الغوغائية، من خلال تركيزه على إثارة لروح الطائفية والتعصب،٨ إذ أرسل صدام مندوبين عنه شخصياً، تحدثوا مع وجهائها بهذا المضمون.. ومن الأفعال الأخرى، إطلاق الشائعات السوداء.. فالشهداء الذين قتلوا في الكويت، أمر بتسليمهم إلى ذويهم (بعد أن كان يحتفظ بهم بثلاجات في مركز جمع الشهداء في البصرة والصويرة) على أن تسبق جثثهم إشاعة مفادها أن (أهل الجنوب قتلوهم لأنهم من أهل السنة) وإشاعة (أقتل عشرة من السنة تدخل الجنة…!) ليست خافية أهدافها وتأثيرها على أحد… وإشاعة أخرى تقول (إن سيطرات لثوار تعتقل أبناء السنة فقط..)”. وينفي المؤلف هذه الشائعات المسمومة، ويؤكد أن أغلب الضباط الذين قتلوا على أيدي الثوار كانوا من الشيعة، ودون أي سؤال عن نتمائهم الطائفي، ويذكر أمثلة عديدة على ذلك. ‘إذا يقول الدكتور سعيد السامرائي في كتابه ( الطائفية في العراق ) :”لقد صار التمييز الطائفي بعد الإنتفاضة علناً، وكانت معاناة البعثيين القياديين من أبناء الشيعة قاسية جداً؛ لأن الخطاب الطائفي للدولة، كان قد أخذ شكلا مؤثراً في الإتهام المباشر وغير المباشر الشيعة وأبناء الجنوب والفرات الأوسط والهجوم العنيف عليهم.. دون مراعاة لروح المجاملة والمواطنة العراقية في أقل اعتبار. وبدأ التعامل مع الحزبيين على الأساس المذهبي وليس الدرجة الحزبية أو الإنتماء البعثي…الخ. وهكذا أصبح هؤلاء في موقف حرج للغاية، .. قال لي أحدهم وهو عضو قيادة شعبة عسكري وبرتبة عقيد: ” بالله عليك، أنا حزبي منذ أربعين سنة ولم أعرف غير الحزب والبعث والمبادئ كذا وكذا !!
والآن يعاملونني على أساس إنتمائي المذهبي الشيعي وليس على أساس عمق إنتمائي البعثي.. إذن، كم نحن كنا مغفلين؟!”. وسمعت العبارة الأخيرة من كثيرين، مدنيين وعسكريين، وفي الأجهزة الأمنية، وخاصة بعد طردهم من مواقعهم الوظيفية! إنهم كانوا حقيقة (كالمهزومين الذين يعيشون في معسكر المنتصرين..!)
٩ كذلك من الشواهد والأدلة الموثقة صدر كتابا “عن تقارير الأمم المتحدة في إدانة حزب البعث ١٩٩١-٢٠٠٣م انتهاكات حقوق الإنسان)) للدكتور عباس عطية القريشي، والدكتور رائد عبيس، شمل الكتاب جميع التقارير الدولية الصادرة من الجمعية العمومية للأمم المتحدة والمجلس الاقتصادي ولجان حقوق الإنسان الدولية راقبت سلوك النظام البائد المنتهك لحقوق الإنسان في العراق، وما وثقته تقارير المقررين الخاصين للأمم المتحدة بشأن حالة حقوق الإنسان في العراق في تقارير أشار المقررون الخواص المعنيون بحالة حقوق الإنسان في العراق السادة ماكس فان دير وأندرياس مافروماتيس، في تقاريرهما المرفوعة إلى لجنة حقوق الإنسان بالعدد
‏E/CN.4/1993/45، E/CN.4/1998/63
إلى أن النظام البعثي مارس تمييزاً مؤسسياً على أساس طائفي وعرقي، وشملت الانتهاكات
( الإعدامات التعسفية، والاختفاء القسري، وسحب الجنسية، والتهجير القسري، وتقييد الحريات الدينية) وأشير إلى أنها ممارسات ترقى إلى انتهاكات جسيمة لالتزامات العراق الدولية، خاصة ومنها المادة 2 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية بشأن الالتزام بضمان الحقوق دون تمييز و المادة 7 من العهد نفسه بشأن حظر التعذيب والمعاملة اللاإنسانية، والمادة 18 بشأن حرية الدين والمعتقد، و المادة 26 التي تؤكد المساواة أمام القانون وحظر التمييز، إضافة إلى مخالفة المادة 1 من اتفاقية مناهضة التمييز العنصري.
لقد صنّف المقررون الخاصون تلك السياسات بنهج دولة يقوم على تسييس الطائفة وتوظيف أجهزة الدولة لتكريس التمييز، لا باعتبارها مجرد ممارسات فردية أو عفوية. كما تضمنت التقارير توصيات بضرورة تفكيك البنية التمييزية للنظام السابق ومساءلة المسؤولين عنها.
يمكن القول لقد عملت الطائفية البعثية على تهشيم الدولة وفتتت المجتمع وأرجعت كل ما في العراق إلى ما قبل الدولة، بعد أن غذّت فيه كل عناصر التنافر والصراع الاجتماعي والقومي والعرقي والديني والطائفي والجهوي والأيديولوجي . لقد أرجعت العراق إلى حالة الصفر، لكنه صفر مروّع لا يمكن استخدامه في القسمة والمعادلات، وهي حالة درامية من طراز خاص، تحتوي شأن كل مراحل الانحطاط والصراع الهمجي الدامي على بصيص أمل وآفاق للتطور .
ولكن نسعى من أجل تشخيص دقيق وواقعي لما حصل لنا من فتن وصراعات طائفية راح ضحيتها كثير من العراقيين على طول التاريخ، وأن نقضي على كل المسببات التي روجت للبعد الطائفي؛ لكي نمنع تكرارها، ونُميت أسبابها، فكان ما استعرضناه من صور طائفية التي عكرت على العراقيين صفو عيشهم، وأخرت تقدمهم، وأزهقت أرواح كثير من أبنائهم أن تكون درساً يمنع تكرار ما حصل، والوقوف على الأسباب الحقيقية لنمنع حصولها مرةً أخرى، وأن نستفيد من التاريخ، ونتعظ منه فلم تحدث حرب طائفية في بلد إلا وتمزق، وعانى شعبه الأمرين، ولم يلحق به إلا الدمار، وسوء الحال .

المصادر:
1- عبدالخالق حسين: مشكلة العرب أن الطائفية عندهم أقوى من القومية
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?t=0&userID=26&aid=118028
2- حنا بطاطو، العراق – الطبقات الاجتماعية والحركات الثورية من العهد العثماني حتى قيام الجمهورية، الكتاب الثالث، ترجمة عفيف الرزاز، مؤسسة الأبحاث العربية، ط1، بيروت، 1992. ص 459 و284.
3- د. جواد هاشم، مذكرات وزير في عهد البكر وصدام، دار الساقي، بيروت، 2003، ط1، ص 95-96.
4- د.جواد هاشم، نفس المصدر، ص 304.
5- د. محمد صادق المشاط، كنت سفيراً للعراق في واشنطن، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط1، الأردن، 2008، ص 228.
6- العميد الركن نجيب الصالحي، الزلزال، مؤسسة الرافد للنشر والتوزيع، لندن، 1998، ص121.
٧- د.سعيد السامرائي، الطائفية في العراق، ط1، مؤسسة الفجر، لندن،1993، ص47.
٨- العميد الركن نجيب الصالحي، نفس المصدر، ص267.
٩- د.سعيد السامرائي، الطائفية في العراق، ط1، مؤسسة الفجر، لندن، 1993، ص 88.